الألم، يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ أن يغفر له من المبايعين بيعة الرضوان وغيرهم، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ أن يعذبه من الظانين ظن السوء وغيرهم، وفي هذا حسم لأطماعهم الفارغة في استغفار النبي صلّى الله عليه وسلّم لهم.
وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤) أي مبالغ في المغفرة والرحمة لمن يشاء من المؤمنين سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها أي سيقول المتأخرون عن غزوة الحديبية عند انطلاقكم إلى مغانم خيبر لتغتنموها: ذَرُونا أي اتركونا نَتَّبِعْكُمْ إلى خيبر، وقد أوضح الله كذبهم بهذا حيث يقولون من تلقاء أنفسهم دعونا نشهد معكم في قتال أهل خيبر، فإذا كان أموالهم وأهلوهم شغلتهم يوم دعوتكم إياهم إلى أهل مكة فما بالهم لا يشتغلون بذلك يوم أخذ الغنيمة يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ.
وقرأ حمزة والكسائي «كلم الله» بفتح الكاف وكسر اللام، أي يريدون أن يغيروا وعد الله الّذي وعده لأهل الحديبية، فإن الله وعد أهل الحديبية فتح خيبر، وأن غنيمتها لهم خاصة من غاب منهم ومن حضر، ولم يغب عنها منهم غير جابر بن عبد الله، فقسم له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كسهم من حضر، فالله تعالى جعل غنائم خيبر لمن شهد الحديبية خاصة عوضا عن غنائم أهل مكة حيث رجعوا من الحديبية على صلح من غير قتال، ولم يصيبوا من الغنائم شيئا. وقيل: والمعنى يريدون أن يبدلوا كلام الله وهو قوله تعالى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح: ٦] وذلك لأنهم لو اتبعوكم لكانوا في حكم بيعة أهل الرضوان الموعودين بالغنيمة، فيكونون من الذين رضي الله عنهم فلا يكونون من الذين غضب الله عليهم، فيلزم تبديل كلام الله قُلْ يا أشرف الخلق لهم إقناطا لهم: لَنْ تَتَّبِعُونا أي لا تتبعونا في الخروج إلى خيبر كَذلِكُمْ أي مثل هذا القول الصادر منّي قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ أي من قبل مرجعنا إليكم، أي حكم الله عند انصرافنا من الحديبية بأن لا تتبعونا، وبأن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم منها نصيب فَسَيَقُولُونَ للمؤمنين عند سماع هذا النهي ليس ذلك النهي حكم الله بَلْ تَحْسُدُونَنا على أن نشارككم في الغنائم فقلتم: إن الله حكم بتخصيص أهل الحديبية بغنائم خيبر وبمنعنا منها بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥) أي لا يفهمون إلا فهما قليلا وهو فطنتهم لأمور الدنيا، ولا يفهمون من قولك: لا تخرجوا إلى خيبر إلّا ظاهر النهي، ولم يفهموا من حكمه فحملوه على مرادهم وعللوه بالحسد، فإن حب الدنيا ليس من شيمة العالم العاقل. قُلْ يا أشرف الرسل- لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ أي أهل غلظ الأكباد: ديل، وأشجع، وقوم من مزينة وجهينة-: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ أي إلى قتال قوم أصحاب سلاح من آلة الحديد وقوة شديدة في القتال- وهم بنو حنيفة- هم تابعو مسيلمة الكذاب وغزاهم أبو بكر. وقال رافع بن خديج: كنّا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم أو هم هوازن وثقيف، غزاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا المخلفين عام الحديبية إلى الحرب، فامتنعوا فقال: ستدعون إلى حرب قوم مسلحين محاربين فهم أكثر بأسا من يكون على خلاف ذلك، تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ أي إن أحد الأمرين يقع إما المقاتلة أبدا، أو سلام لا غير.