وتسمى سورة محمد وسورة الّذين كفروا، مكية، تسع وثلاثون آية، خمسمائة وتسع وثلاثون كلمة، ألفان وثلاثمائة وتسعة وأربعون حرفا
الَّذِينَ كَفَرُوا من قريش وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي أعرضوا عن الإسلام ومنعوا عقولهم من اتباع الدليل كالمطعمين الجيش يوم بدر منهم: أبو جهل، والحرث ابنا هشام،
وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، ومنبه وغيرهم أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) أي أبطل الله أعمالهم فلم يبق لهم عمل بر لأنها لم تكن لله، ولا بأمره إنما فعلوها من عند أنفسهم وَالَّذِينَ آمَنُوا بالله ورسوله واليوم الآخر وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فيما بينهم وبين ربهم وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ أي بجميع الأشياء الواردة في كلام الله ورسوله وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ أي الحق النازل من ربهم، كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أي ستر الله أعمالهم السيئة بالإيمان والعمل الصالح وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) أي حالهم ونياتهم، وذلك حيث يأتي المؤمن بسيئة، ثم يتنبه، ويندم، ويقف بين يدي ربه معترفا بذنبه مستحقرا لنفسه، فصار الذنب شرطا للندم، والثواب ليس على السيئة وإنما هو على الندم ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ أي ذلك إضلال الأعمال، وتكفير السيئات، وإصلاح البال كائن بسبب أن الكفار اتبعوا الشيطان، وبسبب أن المؤمنين اتبعوا أمر الله، وقوله: مِنْ رَبِّهِمْ أما متعلق ب «اتبعوا» الأخير أي من فضل ربهم أو من هدايته، أو متعلق بالأمرين جميعا أي اتبع هؤلاء الحق من حكم ربهم.
كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) أي مثل هذا البيان يبين الله للناس أحوالهم العجيبة بإحباط الأعمال للكفر، ويغفر الذنوب بالإيمان والفعلان قد يتحدان صورة وحقيقة، وأحدهما يورث إبطال الأعمال والآخر يورث تكفير السيئات بسبب أن أحدهما يكون فيه اتباع الباطل، والآخر يكون فيه اتباع الحق كإطعام الطعام، وقد يختلفان في الظاهر والباطن كمن يؤمن ظاهرا وهو يسر الكفر، ومن يكفر ظاهرا بالإكراه وقلبه مطمئن بالإيمان فإبطال الأعمال لمن أظهر الإيمان بسبب الباطل من جانبه فكأنه تعالى قال الكفر والإيمان مثلان يثبت فيهما حكمان، وقد علم سبب ثبوت الحكم، وهو اتباع الحق والباطل فكل أمر اتبع فيه الحق كان مقبولا مثابا عليه،