أَوَلَمْ يَرَوْا أي ألم يتفكر كفار مكة ولم يعلموا علما جازما أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ابتداء من غير مثال وَلَمْ يَعْيَ أي لم يتعب بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى وإنما جاز إدخال الباء على خبر «أن» لأنه في تأويل خبر «ليس» فكأنه قيل أليس الله بقادر؟ ولذلك أجيب عنه بقوله تعالى: بَلى هو قادر على إحياء الموتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) فإن تعلّق الروح بالجسد أمر ممكن إذ لو لم يكن ممكنا في نفسه لما وقع أولا، والله تعالى قادر على جميع الممكنات، فوجب كونه تعالى قادرا على إعادة الروح إلى الجسد، وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أي يوم يعذبون بالنار يقال لهم: أَلَيْسَ هذا أي العذاب بِالْحَقِّ أي بالعدل. قالُوا بَلى وَرَبِّنا إنه الحق أكدوا جوابهم بالقسم كأنهم يطمعون في الخلاص من العذاب بالاعتراف بحقيقة عذاب النار كما في الدنيا، وأنّى لهم ذلك. قالَ الله لهم: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) أي بسبب كفركم في الدنيا فَاصْبِرْ أي إذا كان عاقبة أمر الكفار ما ذكر، فاصبر على أذى قومك كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ أي كما صبر أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا في تقريرها، وصبروا على تحمل مشاق معاداة الطاعنين فيها، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وقد ذكرهم الله على التعيين في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وفي قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الآية وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ أي لكفار مكة بالعذاب فإنه نازل بهم لا محالة كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ أي وعند نزول العذاب بهم في الآخرة يستقرون مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة من نهار، لطول مدة العذاب ولهول ما عاينوه من شدة العذاب، والمعنى: أنهم إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة يسيرة من النهار، أو كأنه لم يكن (بلغ) أي هذا الّذي وعظمتم به كفاية في الموعظة، أو هذا القرآن كفاية فيها.
وقرأ زيد بن علي، والحسن، وعيسى «بلاغا» نصبا إما على المصدر أي بلّغ أيها الرسول بلاغا، كما يؤيده قراءة أبي مجلز بلغ أمرا وإما على النعت «لساعة» ، وقرأ الحسن أيضا «بلاغ» بالجر على أنه وصف «لنهار» على حذف مضاف أي ذي بلاغ أي أجل، فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥) أي فلا يهلك بالعذاب إلّا الخارجون عن الاتعاظ به، والعمل بموجبه، وقرأ ابن محيصن «يهلك» بفتح الياء وكسر اللام وبفتحهما، وقرأ زيد بن ثابت «يهلك» بضم الياء وكسر اللام، والفاعل الله وبنصب «الفاسقين» و «نهلك» بنون العظمة، ونصب «القوم» ووصفه، قال ابن عباس: إذا عسر على المرأة ولدها تكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صفحة، ثم تغسل وتسقى منها وهي: بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلّا الله العظيم الحليم الكريم سبحان الله، ورب السموات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلّا عشية، أو ضحاها كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ الآية والله أعلم.