للأمينة وطلب الخاتم فرأت صورته غير الصورة التي تعرفها منه. فقالت له: ما أنت سليمان وهو قد أخذ الخاتم. فلما تم الأربعون طار الجني من فوق الكرسي ومر على البحر وألقى الخاتم فيه فابتلعته سمكة فوقعت في يد سليمان فأخذه من بطنها ولبسه، ورجع له الملك فأمر الجن بإحضار صخر فأتوا به فحبسه في صخرة وسد عليه بالرصاص والحديد ورماها في قعر البحر. وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ أي ما كتب سليمان السحر وما عمل به لأن العمل بالسحر كفر في شريعته وأما في شرعنا فإن اعتقد فاعله حل استعماله كفر وإلا فلا. وأما تعلمه فإن كان ليعمل به فحرام أو ليتوقاه فمباح أو لا ولا فمكروه وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا أي كتبوا واستعملوا السحر.
وقرأ «لكن» ابن عامر وحمزة والكسائي بتخفيف النون مع الكسر ورفع الشياطين يُعَلِّمُونَ أي الشياطين النَّاسَ السِّحْرَ ويقصدون به إضلالهم وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ عطف على السحر أي ويعلمونهم ما ألهماه من السحر. وقيل: عطف على ما «تتلو» واختار أبو مسلم أن «ما» في محل جر عطف على «ملك سليمان» . وذلك أن الملكين أنزلا لتعليم السحر امتحانا من الله للناس هل يتعلمونه أو لا كما امتحن قوم طالوت بالشرب من النهر. وقيل: إنما أنزلا لتعليمه للتمييز بينه وبين المعجزة لئلا يغتر به الناس لأن السحرة كثروا في ذلك الزمن واستنبطوا أبوابا غريبة من السحر وكانوا يدّعون النبوة فبعث الله تعالى هذين الملكين ليعلما الناس أبواب السحر حتى يتمكنوا من معارضة أولئك الكذابين وإظهار أمرهم على الناس بِبابِلَ وهو بلد في سواد العراق هارُوتَ وَمارُوتَ عطف بيان للملكين لأنهما ملكان نزلا من السماء كما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس. وقيل:«ما أنزل» نفي معطوف على قوله تعالى: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ كأنه تعالى قال: لم يكفر سليمان ولم ينزل على الملكين سحر لأن السحرة كانوا يسندون السحر إلى سليمان وزعموا أنه مما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت فكذبهم الله تعالى على ذلك. وقيل: إن الملكين هما جبريل وميكائيل أخرجه البخاري في تاريخه، وابن المنذر عن ابن عباس، وابن أبي حاتم عن عطية. وحينئذ يكون هاروت وماروت مرفوعين بدل من الشياطين بدل من البعض كما هو قراءة الزهري وعلى هذا كما قاله الحسن والضحّاك فهما علجان من بابل يعلمان السحر.
وقرأ الحسن «على الملكين» بكسر اللام فهما داود وسليمان كما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبزي. وقيل: كانا رجلين صالحين من الملوك. وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ أي وما يعلم الملكان أحدا السحر حَتَّى يَقُولا أولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ أي امتحان من الله تعالى للناس فَلا تَكْفُرْ أي فلا تتعلم ولا تعمل به أي لا يصفان السحر لأحد إلا أن يقولا- يبذلا النصيحة له- فيقولان له: هذا الذي نصه لك وإن كان الغرض منه أن يتميز به الفرق بين السحر والمعجزة