للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظلما على العباد كدأب فرعون وقارون، وَالْعاقِبَةُ الحميدة- وهي الجنة- لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) أي الذين يتقون ما لا يرضاه الله تعالى من الأفعال والأقوال. مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ أي من جاء يوم القيامة متصفا بالحسنة، المقبولة، الأصلية، المعمولة فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها أي فله بمقابلتها ثواب خير منها ذاتا، وصفة، وقدرا بالمضاعفة. ومثل المعمولة ما في حكمها كما لو تصدق عن غيره، فخرج بالمعمولة ما لو همّ بحسنة فلم يعملها لمانع، فإنها يجازى عليها من غير تضعيف، وخرجت الحسنة المأخوذة في نظير الظلامة فلا تضاعف له، وخرج بالأصلية الحسنات الحاصلة بالتضعيف فلا تضاعف وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ وهي ما يذم فاعلها شرعا فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) أي الإجزاء مثل ما كانوا يعملون إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ أي إن الذي أوجب عليك تبليغ القرآن والعمل بما فيه من الأحكام لرادك إلى مكة.

فإنه صلّى الله عليه وسلّم خرج من الغار ليلا وسار في غير الطريق مخافة الطلب، فلما أمن رجع إلى الطريق، ونزل بالجحفة بين مكة والمدينة، وعرف الطريق إلى مكة، فاشتاق إليها وذكر مولده ومولد أبيه، فنزل جبريل وقال له:

أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» . فقال جبريل: إن الله تعالى يقول:

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ أي مكة غالبا عليهم قُلْ يا أشرف الخلق للمشركين: رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وما يستحقه من الثواب والإعزاز بالإعادة إلى مكة وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وما يستحقونه من العقاب والإذلال في بلدهم يريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك نفسه والمشركين، وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أي وما كنت قبل مجيء الرسالة إليك ترجو إنزال القرآن عليك، وكونك نبيا فإنزاله عليك ليس عن ميعاد وكونك نبيا ليس عن تطلب سابق منك ولكن أنزل إليك القرآن وتجعل نبيا لأجل الترحم من ربك فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) أي معينا لهم بالإجابة إلى طلبتهم وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ أي لا تركن إلى أقوال الكافرين فيصدوك عن اتباع آيات الله بعد وقت إنزالها عليك وإيجاب العمل بها وَادْعُ إِلى رَبِّكَ أي ادع الناس إلى دين ربك وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) بإعانتهم في الأمور، لأن من رضي بطريقتهم أو مال إليهم كان منهم، وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ أي لا تعتمد على غير الله ولا تتخذ غيره وكيلا

في أمورك لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا نافع ولا ضار ولا معطي ولا مانع إلا هو كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ أي معدوم في حد ذاته فإن وجوده كلا وجود، لأن وجوده ليس ذاتيا إِلَّا وَجْهَهُ أي ذاته تعالى.

وقيل: معنى كونه هالكا: كونه قابلا للهلاك والمستثنى من الهلاك والفناء ثمانية أشياء نظمها السيوطي في قوله:

ثمانية حكم البقاء يعمها ... من الخلق والباقون في حيز العدم

هي العرش والكرسي ونار وجنة ... وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم

لَهُ الْحُكْمُ النافذ في الخلق وَإِلَيْهِ أي إلى جزائه بالعدل عند البعث تُرْجَعُونَ (٨٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>