الأولى: الإقرار باللسان، وهو الدعوة إلى الله بإقامة الدلائل اليقينية.
والثانية: الأعمال الصالحة بالجوارح.
والثالثة: الاعتقاد الحق بالقلب وهاتان داخلتان في قوله تعالى: وَعَمِلَ صالِحاً.
والرابعة: الاشتغال بإقامة الحجة على دين الله تعالى والموصوف بهذه الخصال الأربعة أفضل الناس وهو سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وقرأ ابن أبي عبلة «إني» بنون واحدة. وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ أي لا تستوي الدعوة إلى دين الحق والصبر على جهالة الكفار، ولا قولهم: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه، ولا تسمعوا لهذا القرآن. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي ادفع جهالتهم بالطريق التي هي أحسن الطرق، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) . و «إذا» التي هي للمفاجأة ظرف مكان لمعنى التشبيه والموصول مبتدأ، والجملة بعد خبره، و «إذا» معمولة لمعنى التشبيه، والظرف يتقدم على عامله المعنوي أي فالذي بينك وبينه عداوة مشبه في المحبة للصديق في الدين، القريب في النسب الذي لم تسبق منه عداوة إذا صبرت على سوء أخلاقهم مرة بعد أخرى، والمعنى: فإذا قابلت أفعال أعدائك القبيحة بالأفعال الحسنة ولم تقابل سفاهتهم بالغضب والإيحاش استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة وتركوا تلك الأفعال القبيحة، وانقلبوا من العداوة إلى المحبة. قيل:
نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب وكان عدوا مؤذيا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلم وصار وليا مصافيا له صلّى الله عليه وسلّم: وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا أي وما يعطى هذه الخصلة التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان إلّا الذين شأنهم الصبر على تحمل المكاره، وتجرع الشدائد، وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) أي وما يوفق على هذه الفعلة- أي التي هي دفع السيئة بالحسنة- إلّا ذو حظ عظيم من ثواب الآخرة أو من الخلق الحسن. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أي وإن يوسوس لك الشيطان بترك ما أمرت به، بأن صرفك صارف عما شرعت من الدفع بالتي هي أحسن فاستجر بالله من شره يدفعه عنك، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦)
لقولك وأفعالك. وَمِنْ آياتِهِ الدالة على وجود الله وقدرته اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ كل منها مخلوق له تعالى، مسخر لأمره تعالى، لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ لأنهما عبدان مخلوقان مثلكم وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ أي الأربعة إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) أي إن كنتم تريدون بعبادة الشمس والقمر عبادة الله فلا تعبدوهما فإن عبادة الله في ترك عبادتهما فإن الذين يعبدونهما يقولون: نحن أذل من أن يحصل لنا أهلية عبودية الله تعالى، ولكنا عبيد للشمس والقمر وهما عبدان لله. فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي فإن استكبروا عن قبول قولك يا محمد في النهي عن السجود للشمس والقمر، فدعهم وشأنهم فإن لله عبادا يعبدونه من الملائكة، أي والله لا يعدم عابدا له أبدا بل يكون من خلقه من يعبده على