قرأ عاصم وحمزة برفع الأول ونصب الثاني، أي فأنا الحق، أو فالحق قسمي ولا أقول إلّا الحق. وقرأ الباقون بنصبهما أي فبالحق أي أقسم بالحق. وقرئ بجرهما على أن الثاني حكاية لفظ المقسم به على أن معنى الحق نقيض الباطل.
وقرئ بجر الأول على إضمار حرف القسم ونصب الثاني على المفعولية لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ، ومن جنسك من الشياطين، وَمِمَّنْ تَبِعَكَ في الغواية مِنْهُمْ أي من ذرية آدم أَجْمَعِينَ (٨٥) تأكيدا للكاف و «ما» عطف عليه. قُلْ يا أشرف الرسل: ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي على هذه الدعوة مِنْ أَجْرٍ أي دنيوي وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) أي الحاملين للمشقة في الشريعة على الناس، أي إن هذا الذي أدعوكم إليه دين لا يحتاج في معرفة صحته إلى التكلفات الكثيرة، بل هو دين يشهد العقل بصحته، فإني أدعوكم أولا إلى الإقرار بوجود الله، ثم أدعوكم ثانيا إلى تنزيهه تعالى عن كل ما لا يليق به تعالى، ثم أدعوكم ثالثا إلى الإقرار بكونه تعالى موصوفا بكمال العلم والقدرة والحكمة والرحمة، ثم أدعوكم رابعا إلى الإقرار بكونه تعالى منزها عن الشركاء، ثم أدعوكم خامسا إلى الامتناع عن عبادة الأوثان، ثم أدعوكم سادسا إلى تعظيم الملائكة والأنبياء، ثم أدعوكم سابعا إلى الإقرار بالبعث والقيامة، ثم أدعوكم ثامنا إلى الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة.
فهذه الأصول الثمانية هي الأصول المعتبرة في دين الله تعالى، وأوائل الأفكار شاهدة بصحة هذه الأصول الثمانية، فثبت أني لست من المتكلفين في الشريعة التي أدعوا الخلق إليها، بل كل عقل سليم يشهد بصحتها وبعدها عن الفساد. وهو المراد من قوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) أي ما هذا القرآن إلا عظة من الله تعالى للثقلين كافة، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨) أي إنكم إن أصررتم على الجهل والتقليد، وأبيتم قبول هذه البينات التي ذكرناها في القرآن فستعلمون بعد الموت أنكم كنتم مصيبين في إعراضكم عنه أو مخطئين.