للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي عن بعضهم أن خراب مكة من الحبشة، وخراب المدينة بالجوع، والبصرة بالغرق، والكوفة بالترك، وخراب الهند واليمن من قبل الجراد والسلطان.

وعن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «آخر قرية من قرى الإسلام خرابا»

«١» المدينة. وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ أي ما منعنا من إرسال المعجزات التي طلبتها قريش من إحياء الموتى وقلب الصفا ذهبا، وإزالة الجبال عن مكة ليزرعوا مكانها إلا تكذيب الأولين بالمعجزات حين جاءتهم باقتراحهم فيستحقوا عذاب الاستئصال، أي لو أظهر الله تلك المعجزات المقترحة لقريش، ثم لم يؤمنوا بها صاروا مستحقين لعذاب الاستئصال لكن إنزاله على هذه الأمة غير جائز، لأن الله تعالى علم أن فيهم من سيؤمن أو يؤمن أولادهم فلهذه المصلحة ما أجابهم الله تعالى إلى مطلوبهم وَآتَيْنا ثَمُودَ باقتراحهم النَّاقَةَ مُبْصِرَةً بكسر الصاد أي مبنية لنبوة صالح فَظَلَمُوا بِها أي ظلموا أنفسهم بتكذيبهم بها وأقبلوا أنفسهم للهلاك بعقرها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ المقترحة إِلَّا تَخْوِيفاً (٥٩) من نزول العذاب المستأصل على المقترحين فإن لم يخافوا ذلك نزل أو ما نرسل بعير مقترحة كالمعجزات وآيات القرآن إلا تخويفا بعذاب الآخرة، فإن أمر المكذبين بها مؤخر إلى يوم القيامة وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ أي واذكر يا أشرف الخلق إذ بشرناك بأن الله يغلب أهل مكة ويقهرهم ويظهر دولتك عليهم، وهذه بشارة بوقعة بدر وعبر الله بالماضي، لأن كل ما أخبر الله بوقوعه فهو واجب الوقوع فكان كالواقع وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ليلة المعراج وهي ما رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم على اليقظة بعيني رأسه من عجائب الأرض والسماء إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ أي إلا امتحانا لأهل مكة لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما ذكر لهم قصة الإسراء فمنهم من كذبه ومنهم من كفر بعد إسلامه ومنهم من نافق ومنهم من توقف في حاله ومنهم من تردد في قلبه ومنهم من صدق كلامه صلّى الله عليه وسلّم وازداد المخلصون إيمانا وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ أي المذمومة فِي الْقُرْآنِ وهي الزقوم أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس حيث قالوا: إن محمدا يزعم أن نار جهنم تحرق الحجارة، ثم يقول: ينبت فيها الشجر فكيف تنبت في النار شجرة رطبة وهي تحرق الشجر، فينسبون لله العجز عن خلق شجرة في النار غافلين عن قدرته تعالى على كل شيء، فإن النعامة تبتلع الجمر والحديد المحمّى بالنار ولا يحرقها، وأن السمندل وهي دويبة في بلاد الترك يتخذ من وبره مناديل فإذا اتسخت طرحت في النار فيذهب وسخها وتبقى هي سالمة لا تعمل فيها النار وَنُخَوِّفُهُمْ بشجرة الزقوم وبعذاب الدنيا والآخرة فَما يَزِيدُهُمْ ذلك التخويف إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (٦٠) أي إلا تماديا في المعصية وتجاوزا عن الحد فلو أنا أرسلنا بما اقترحوه من الآيات لازدادوا تماديا في العناد فأهلكوا بعذاب الاستئصال كعادة من قبلهم وقد حكمنا بتأخير


(١) رواه الترمذي في المناقب، باب: ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>