فقال له: فلان، قال: نعم، فقال: ما شأنك؟ قال: أصابتني حاجة بعدك فأتيتك لتعينني بخير قال: فما فعل بمالك فقص عليه قصته فقال: وإنك لمن المصدقين فطرده ووبخه على التصدق بماله وآل أمرهما إلى ما حكاه الله تعالى فنزل في شأنهما قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما وهو الكافر جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ أي بستانين من كروم متنوعة وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ أي جعلنا النخل محيطا بالجنتين وَجَعَلْنا بَيْنَهُما أي وسط أرض الجنتين زَرْعاً (٣٢) ليكون كل منهما جامعا للأقوات والفواكه فتأتي هذه الأرض في كل وقت بمنفعة فكانت منافعها متواصلة كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها أي أخرجت ثمرها كل عام وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ أي لم تنقص من ثمرها شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما أي أجرينا في داخل تلك الجنتين نَهَراً (٣٣) وفي قراءة يعقوب «وفجرنا» بالتخفيف وَكانَ لَهُ أي لصاحب الجنتين ثَمَرٌ.
قرأ عاصم بفتح الثاء والميم أي ثمر البستان. وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وسكون الميم.
والباقون بضم الثاء والميم في الموضعين، أي أنواع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك فَقالَ أي صاحب الجنتين لِصاحِبِهِ الذي جعل مثلا للفقراء المؤمنين وَهُوَ أي صاحب الجنتين يُحاوِرُهُ أي يراجع صاحبه بالكلام الذي فيه الافتخار بالمال والناس: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) أي أكثر أصحابا من الأولاد وغيرهم، ويقال: وهو أي صاحبه المؤمن يراجه الكافر في الكلام بالوعظ والدعاء إلى الإيمان بالله وبالبعث وَدَخَلَ جَنَّتَهُ أي بستانه مع صاحبه يطوف به فيها ويريه حسنها وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ أي ضار لها بكفره وعجبه واعتماده على ماله قالَ استنئاف بيان لسبب الظلم ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) أي ما أظن أن تفنى هذه الجنة أبدا وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ أي القيامة التي هي وقت البعث قائِمَةً أي حاصلة وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي بالبعث عند قيامة كما تقول لَأَجِدَنَّ يومئذ خَيْراً مِنْها أي من هذه الجنة مُنْقَلَباً (٣٦) أي عاقبة وسبب هذه اليمين الفاجرة اعتقاده إنما أعطاه الله المال في الدنيا لكرامته عنده تعالى، وهي معه بعد الموت. وقرأ نافع وابن كثير منهما أي الجنتين. قالَ لَهُ أي لصاحب الجنة صاحِبُهُ الذي هو المؤمن وَهُوَ أي المؤمن يُحاوِرُهُ أي يجاوب الكافر بالتوبيخ على شكه في حصول البعث أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ أي من آدم وهو من تراب ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ لأبيك وأمك ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (٣٧) أي صيّرك إنسانا ذكرا، وهيّأك هيئة تعقل وتصلح للتكليف فهل يجوز في العقل مع هذه الحالة إهماله تعالى أمرك فإن من قدر على بدء خلقه من تراب قادر أن يعيده منه وجعل الكفر بالبعث كفرا بالله، لأن منشأه الشك في كمال قدرة الله لكِنَّا أي لكن أنا أقول هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) أي أنت كافر بالله لكني مؤمن به موحد، ثم قال المؤمن للكافر: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ أي وهلا حين دخلت بستانك قُلْتَ عند إعجابك بها: ما شاءَ اللَّهُ أي الأمر هو الذي شاءه الله لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أي لا قوة لأحد على أمر من الأمور إلا بإعانة الله وإقداره.