قال الضحاك: لما قبل ثديها قال هامان: إنك لأمه! قالت: لا، قال: فما حالك قبل ثديك من بين النسوة! قالت: أيها الملك، إني امرأة طيبة الريح حلوة اللبن ما شم ريحي صبي إلا أقبل على ثديي. قالوا: صدقت، لم يبق أحد من آل فرعون إلا أهدى إليها وأتحفها بالذهب والجواهر. فَرَدَدْناهُ أي موسى إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها أي تطيب نفسها بوصول موسى إليها وتربيتها له في بيتها، وَلا تَحْزَنَ على موسى بفراقه وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ في رده إليها وجعله من المرسلين حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) ، أن المقصود الأصلي من رده إليها علمها بأن وعد الله حق لا خلف فيه بمشاهدة بعضه، وقياس بعضه عليه، فهذا هو الغرض الديني وما سواه من قرة العين وذهاب الحزن تبع، فمكث موسى عند أمه إلى أن فطمته، وأمر فرعون بإجراء أجرتها لكل يوم دينار، فأتت به فرعون واستمر عنده يأكل من مأكوله ويشرب من مائه ويلبس من ملبوسه إلى أن كمل، وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ أي كمال قوته الجسمانية وَاسْتَوى أي تكامل عقله آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً أي أعطيناه علم الحكماء والعلماء، وَكَذلِكَ أي ومثل ذلك الذي أعطينا موسى من الحكم والعلم نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) أي الصالحين بالعلم والحكمة، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها أي ودخل موسى مدينة منف في وقت اشتغال أهلها عند نصف النهار.
ومنف: بفتح الميم وسكون النون أصلها مآفة، ومعناها بلغة القبط ثلاثون، لأنها أول مدينة عمرت بعد الطوفان نزلها مصر بن حام في ثلاثين رجلا فسميت مافت، ثم عربت منف.
قيل: إن موسى عليه السلام لما بلغ أشده وآتاه الله العلم في دينه ودين آبائه علم أن فرعون وقومه على الباطل فتكلم بالحق، وعاب دينهم، واشتهر ذلك منه حتى آل الأمر إلى أن خافوه، وخافهم. وكان له من بني إسرائيل شيعة يقتدون به، ويسمعون منه، وبلغ في الخوف بحيث ما كان يدخل مدينة فرعون إلا خائفا، فدخلها يوما وقت كونهم قائلين فَوَجَدَ فِيها أي المدينة رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ أي يلازمان مقدمات القتل من الضرب والخنق هذا مِنْ شِيعَتِهِ أي ممن تابع موسى على دينه وهم بنو إسرائيل وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ أي ممن خالف موسى في دينه- وهم القبط- فالقبطي: الذي سخر الإسرائيلي كان طباخ فرعون استسخره لحمل الحطب إلى مطبخه واسمه:
فليثون أوفاتون: فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ أي طلب الإسرائيلي من موسى أن ينصره على القبطي وأن يخلصه منه، فَوَكَزَهُ مُوسى أي دفعه بأطراف الأصابع. وقيل: بقبضها.
وقرأ ابن مسعود فلكزه موسى وقال بعضهم الوكز: في الصدر، واللكز: في الظهر.
فَقَضى عَلَيْهِ أي أنهى موسى حياة القبطي وخفي هذا على الناس فلم يعرف به أحد لما هم فيه من الغفلة فندم موسى عليه السلام عليه فدفنه في الرمل قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ أي هذا القتل من عمل الشيطان لأني لم أومر به أو هذا المقتول من جند الشيطان إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) أي