إلى أمرين: العلم والعمل. فالعلم رئيسه معرفة أن الله واحد، وهو المراد من قوله تعالى: أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ وإذا كان الحق ذلك التوحيد وجب علينا أن نعترف به. وهو المراد من قوله تعالى: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ أي استقيموا في أفعالكم متوجهين إلى الإله الواحد، ثم أمر الله تعالى بوظيفة العمل ورئيسه الاستغفار، فلهذا السبب قال: وَاسْتَغْفِرُوهُ لأجل الخوف من وقوع التقصير في العمل المأتي به، وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) فالله تعالى أثبت الويل لمن كان موصوفا بصفات ثلاثة: الشرك، والامتناع من الزكاة، وإنكار القيامة. فإن أعظم الطاعات التعظيم لأمر الله، وأفضل أبوابه الإقرار بكون الله واحدا، وإذا كان التوحيد أعظم الطاعات كان الشرك أخسها، لأنه ضد التوحيد، ولما كان أفضل أنواع المعاملة مع الخلق إظهار الشفقة عليهم كان الامتناع من الزكاة أخس الأعمال، لأنه ضد الشفقة على خلق الله. ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر لا يؤتون الزكاة بقوله: أي لا يقولون لا إله إلّا الله فإنها زكاة الأنفس. والمعنى: لا يطهرون أنفسهم من لوث الشرك بقولهم: لا إله إلا الله. وقال الحسن وقتادة: أي لا يعتقدون إعطاء الزكاة واجبا. وقال مجاهد: لا يزكون أعمالهم إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) أي غير مقطوع. قيل: نزلت هذه الآية في المرضى والزمنى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأحسن ما كانوا يعملونه.
ويقال يكتب ثواب أعمالهم بعد الهرم أو الموت إلى يوم القيامة غير منقوض. وقيل: لا يمنون بذلك الأجر. قُلْ يا أشرف الخلق: أَإِنَّكُمْ يا أهل مكة لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ أي لتكفرون بالعظيم الشأن الذي حكم بأن الأرض ستوجد في مقدار يومين، وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً. أي نظراء والحال أنه لا يمكن له نظير واحد، أي أن الإله الموصوف بالقدرة على خلق هذه الأشياء العظيمة في هذه المدة الصغيرة كيف يليق بالعقل جعل الخشب المنجور والحجر المنحوت شريكا له في المعبودية! ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) أي ذلك العظيم الشأن الذي علمت من صفته أنه خالق جميع الموجودات فكيف أثبتم له أنداد من الخشب والحجر؟! وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وهو عطف على «خلق الأرض» ، أي وخلق في الأرض جبالا ثوابت مِنْ فَوْقِها، أي كائنة من فوق الأرض ليرى الإنسان بعينه وليتفكر أن الجبال أثقال، على أثقال وكلها مفتقرة إلى ممسك، وحافظ، وما ذاك الحافظ المدبر إلّا الله تعالى، ولو جعل في الأرض رواسي من تحتها لأوهم ذلك أن تلك الأساطين التحتانية هي التي أمسكت هذه الأرض الثقيلة عن النزول، وَبارَكَ فِيها أي الأرض بشق الأنهار، وخلق الأشجار والثمار، وأصناف الحيوانات، وكل ما يحتاج إليه من الخيرات، وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها أي بأن يوجد لأهل الأرض من الأنواع المختلفة أقواتها المناسبة لها على مقدار معين تقتضيه الحكمة. وقرئ «وقسم فيها أقواتها» . فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أي مع اليومين الأولين الذين خلق فيهما الأرض سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) .