للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين الكل يوم القيامة ويجازيه على عمله، لأن مرجع الكل إليه تعالى فيظهر هناك حالنا وحالكم، وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي والذين يخاصمون في دين الله من بعد ما استجاب الناس لذلك الدين ودخلوا فيه حجتهم باطلة عند ربهم، وتلك المخاصمة هي أن اليهود

قالوا: ألستم تقولون: إن الأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه، فنبوة موسى وحقيقة التوراة معلومة بالاتفاق، ونبوة محمد ليست متفقا عليها فحينئذ وجب الأخذ باليهودية، فبيّن الله تعالى أن هذه الحجة فاسدة، وذلك لأن اليهود أطبقوا على أنه إنما وجب الإيمان بموسى عليه السلام، لأجل ظهور المعجزات على وفق قوله عليه السلام، وقد ظهرت المعجزات على وفق قول محمد صلّى الله عليه وسلّم، واليهود شاهدوا تلك المعجزات، فإن كان ظهور المعجزة يدل على صدق صاحبها وجب الاعتراف بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وإن كان لا يدل على صدقه وجب أن لا يقروا بنبوة موسى عليه السلام، والإقرار بنبوة موسى مع الإنكار بنبوة محمد مع استوائهما في ظهور المعجزات باطل، لأنه متناقض وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ لمكابرتهم الحق بعد ظهوره، وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) في الآخرة اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ أي القرآن وسائر الكتب المنزلة قبلك بِالْحَقِّ، أي بالصدق وَالْمِيزانَ، أي الشرع الذي يوزن به الحقوق ويسوى بين الناس، وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) أي أيّ شيء يجعلك عالما بأن الساعة التي يخبر بمجيئها الكتاب شيء قريب، فوجب على العاقل أن يجتهد في النظر ويترك طريقة أهل التقليد، ولمّا كان الرسول يهددهم بنزول القيامة قالوا على سبيل السخرية: متى تقوم القيامة، وليتها قامت، فيظهر لنا أن الحق ما نحن عليه، أو ما عليه محمد وأصحابه، فدفع الله ذلك فقال:

يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها استعجال إنكار واستهزاء وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها أي خائفون من قيامها وأهوالها لعلمهم أن التوبة تمتنع عندها، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أي الكائنة بلا شك أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) أي إن الّذين يدخلهم الشك في وقوع الساعة فيجادلون فيها لفي ضلال بعيد عن الصواب، لأن استيفاء حق المظلوم من الظالم واجب في العدل، فلو لم يحصل القيامة لزم إسناد الظلم إلى الله تعالى، وهذا محال. فكان إنكار القيامة ضلالا بعيدا، اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ أي كثير الإحسان بهم بالحياة والعقل ودفع أكثر البليات عنهم، وإعطاء ما لا بد منه من الرزق، وتأخير العذاب عمن يستحقون العذاب، يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ كيفما يشاء وَهُوَ الْقَوِيُّ أي القادر على ما يشاء، الْعَزِيزُ (١٩) أي الذي لا يغالب فلا يقدر أحد أن يمنعه عن شيء يريده، مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ أي من كان يريد بأعماله ثواب الآخرة، نزد له ثوابه بالتضعيف إلى ما نشاء، ونزد له في تسهيل سبيل الطاعات، ونعطه من الدنيا ما كتبناه له، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) أي ومن كان يريد بأعماله متاع الدنيا نعطه بعض ما يطلبه حسب ما قسمنا له، وما له

<<  <  ج: ص:  >  >>