وقرأ حمزة، والكسائي «غشوة» بفتح الغين وسكون الشين، والأعمش، وابن مصرف بكسر الغين، والباقون «غشاوة» بكسر الغين، وابن مسعود، والأعمش أيضا
بفتحها وعبد الله بضمها، فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أي من بعد إضلال الله إياه وهذه الجملة مفعول ثان ل «رأيت» أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) أي ألا تلاحظون فلا تذكرون، وقرئ «تتذكرون» بالتاءين على الأصل، وَقالُوا من غاية ضلالهم ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا أي ما الحياة إلا الحياة التي نحن فيها نَمُوتُ وَنَحْيا أي يصيبنا الموت والحياة في الدنيا، وليس وراء ذلك حياة وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ أي إلا مرور الزمان، والمعنى: أن تولد الأشخاص إنما كان بسبب حركات الأفلاك الموجبة لامتزاجات الطبائع، وإذا وقعت تلك الامتزاجات على وجه خاص حصلت الحياة، وإذا وقعت على وجه آخر حصل الموت، فالموجب للحياة والموت تأثيرات الطبائع وحركات الأفلاك ولا حاجة في هذا الباب إلى إثبات الفاعل المختار فهذه الطائفة جمعوا بين إنكار الإله والقيامة وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤) أي ما لهم باقتصار الحياة على ما في الدنيا واستناد الحياة والموت إلى الدهر مستند إلى نقل، أو عقل صحيح ما هم الأقوم أمرهم الظن والتقليد وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا الدالة على قدرتنا بَيِّناتٍ أي مبيّنات لما يخالف معتقدهم
ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) في أنّا نبعث بعد الموت «وحجتهم» بالنصب خبر «كان» وإلا قالوا اسمها، فالمعنى: ما كان متمسكا لهم على إنكار البعث شيء من الأشياء إلّا هذا القول الباطل، وهو قولهم: لو صح ذلك البعث، فأتوا بآبائنا الذين ماتوا ليشهدوا لنا بصحة البعث.
وقرئ برفع «حجتهم» على أنه اسم «كان» فالمعنى: ما كان حجتهم شيئا من الأشياء إلّا هذا القول الباطل. قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ابتداء ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم لا كما تزعمون من أنكم تحيون وتموتون بحكم الدهر، ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ أحياء بعد الموت إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ للجزاء لا رَيْبَ فِيهِ أي في جمعكم، فإن من قدر على البدء قدر على الإعادة، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ وهم القائلون ما ذكر لا يَعْلَمُونَ (٢٦) دلالة حدوث الإنسان وغيره على وجود الإله الحكيم، وإن الله تعالى لما كان قادرا على الإيجاد ابتداء وجب أن يكون قادرا على الإعادة ثانيا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي لله التصرف فيهما كما أراد وله القدرة على جميع الممكنات فيلزم كونه تعالى قادرا على الإحياء في المرة الثانية، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) أي ولله ملك يوم قيام الساعة يومئذ يظهر غبن المبطلين لأن الحياة والعقل، والصحة كلها رأس المال، والتصرف فيها لطلب سعادة الآخرة يجري مجرى تصرف التاجر في رأس المال لطلب الربح، والكفار قد أتعبوا أنفسهم في هذه التصرفات وما وجدوا منها إلّا الحرمان فكان ذلك في الحقيقة نهاية الخسران وَتَرى أيها المخاطب كُلَّ أُمَّةٍ أي كل أهل دين جاثِيَةً أي مجتمعين لا يخالطهم غيرهم، وهو حال.