كما يغذى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث؟» قالوا: بلى. قال:«وكيف يكون هذا كما زعمتم؟!» »
. فسكتوا، فأنزل الله تعالى من ابتداء السورة إلى آية المباهلة تثبيتا لما احتج به النبي عليهم
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ أي القرآن.
وقرئ قراءة شاذة بتخفيف نزل ورفع الكتاب بِالْحَقِّ أي بالعدل في أحكامه أو بالصدق في أخباره وفي وعده ووعيده، أو بالحجج المحققة أنه من عند الله تعالى، أو بالقول الفصل وليس بالهزل ولا بالمعاني الفاسدة المتناقضة. مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أي لما تقدمه من الكتب السالفة في الدعوة إلى الإيمان والتوحيد وتنزيه الله تعالى عما لا يليق بشأنه تعالى وفي الأمر بالعدل والإحسان، وفي أنباء الأنبياء والأمم الخالية وفي بعض الشرائع. وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ جملة على موسى بن عمران، وَالْإِنْجِيلَ (٣) جملة على عيسى ابن مريم مِنْ قَبْلُ أي من قبل تنزيل القرآن هُدىً لِلنَّاسِ أي حال كونهما هاديين من الضلالة، أو أنزل هذه الكتب الثلاثة لهداية الناس وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ قيل: المراد الزبور فإنه مشتمل على المواعظ الداعية إلى الخير، الزاجرة عن الشر، الفارقة بين الحق والباطل، ثم المختار عند الفخر الرازي أن المراد من الفرقان هو المعجزات التي قرنها تعالى بإنزال هذه الكتب الثلاثة لأنه لما أظهر الله تعالى تلك المعجزات على وفق دعوى الرسل حصلت المفارقة بين دعوى الصادق ودعوى الكاذب، فالمعجزة هي الفرقان.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أي القرآن وغيره كوفد بني نجران ونحوهم بأن كذبوا بالآيات الناطقة بالتوحيد والتنزيه المبشّرة بنزول القرآن ومبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بسبب كفرهم بها وَاللَّهُ عَزِيزٌ أي غالب لا يغلب ذُو انْتِقامٍ (٤) أي عقوبة عظيمة. فالعزيز إشارة إلى القدرة التامة على العقاب، وذو الانتقام إشارة إلى كونه فاعلا للعقاب. فالأول صفة الذات، والثاني صفة الفعل. إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ قصيرا أو طويلا، حسنا أو قبيحا، ذكرا أو أنثى، سعيدا أو شقيا. وهذه الآية واردة في الرد على النصارى. وذلك أن النصارى ادعوا إلهية عيسى بأمرين: بالعلم والقدرة. فإن عيسى كان يخبر عن الغيوب فيقول لهذا: أنت أكلت في دارك كذا، وصنعت في دارك كذا. وكان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا، ثم إنه تعالى استدل على بطلان قولهم في إلهية عيسى وفي التثليث بقوله تعالى: الْحَيُّ الْقَيُّومُ فالإله يجب أن يكون حيا قيوما، وعيسى لم يكن كذلك. فيلزم القطع بأنه لم يكن إلها. ولما قالوا: إن عيسى أخبر عن الغيوب فوجب أن يكون إلها، فرد الله عليهم بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ. والمعنى لا يلزم من كونه عالما ببعض المغيبات أن يكون إلها