أي في أرحامكم وقرئ و «تقطعوا» من القطع أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أي أبعدهم الله عن الخير فَأَصَمَّهُمْ فلا يسمعون الكرم المستبين وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) فلا يتبعون الصراط المستقيم، فمن حيث إنهم استمعوا الكلام العلمي ولم يفهموه فهم صم وعند الأمر بالعمل تركوه وعللوا بكونه إفسادا وقطعا للرحم، وهم كانوا يتعاطونه عند النهي فتركوا اتباع النبي الّذي يأمرهم بالإصلاح وصلة الأرحام ولو دعاهم من يأمر بالإفساد وقطيعة الرحم لاتبعوه فهم عمي أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) أي فلا يتدبرون القرآن لكونهم مبعدين منه، ومن كل خير أم على قلوب أقفال فيتدبرون ولا يفهمون فلا تدخل معانيه في قلوبهم إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ أي أن الذين رجعوا إلى الكفر من بعد ما ظهرت لهم الدلائل وسمعها، وهم جماعة منعهم حب الرياسة عن اتباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، الشيطان زيّن لهم الرجوع إلى دينهم، وسهل لهم اقتراف الكبائر.
وقرئ «سول» مبنيا للمفعول على حذف المضاف أي كيد الشيطان زيّن لهم وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) أي ومد الشيطان لهم في الآمال فيقول لهم: إن في آجالكم فسحة فتمتعوا بدنياكم ورئاستكم إلى آخر أعماركم، وقيل: أمهلهم الله تعالى، ولم يعاجلهم بالعقوبة، وقرأ أبو عمرو «وأملى لهم» على البناء للمفعول أي أمهلوا ومد في أعمارهم، والباقون على البناء للفاعل، والفاعل إما الشيطان، فإن الله قدر على لسانه ويده ذلك التزيين، أو الله تعالى كما تقدم. وقرئ «وأملى لهم» على صيغة المتكلم فالمعنى أن الشيطان يغويهم، وأنا أنظرهم ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ أي ذلك الارتداد بسبب أن المنافقين قالوا سرا لليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع علمهم بأنه من عند الله تعالى حسدا وطمعا في نزوله عليهم:
سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ كالقعود عن الجهاد، والموافقة في الخروج معكم عن الديار إن خرجتم منها، ولا نطيعكم في إظهار الكفر قبل قتالكم، وإخراجكم من دياركم، وهذا عبارة عما حكى عنهم بقوله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ [الحشر: ١١] وهم بنو قريظة والنضير الذين كان المنافقون يوادونهم، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) ، قرأ حمزة، والكسائي، وحفص بكسر الهمزة أي إخفاءهم لما يقولونه، والباقون بفتحها أي جميع أسرارهم، فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) أي فكيف يصنعون إذا قبضتهم الملائكة في حال أنهم يضربون وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد، فإنهم يفعلون في حياتهم ما يفعلون من الحيل، وقرأ الأعمش «توفاهم» على أنه ماض أو مضارع حذف إحدى تاءيه ذلِكَ أي الضرب بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ من الكفر والمعاصي وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ من الإيمان والطاعة أي تضرب وجوههم لأنهم أقبلوا على سخط الله كإنكار الرسول