للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء من الطريق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: إنهم منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب الرسول، فأراد هو أن يغزوهم، فنهاه الله عن ذلك فقال: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بخبر فتفحصوا. وقرئ فتثبتوا، أي قفوا حتى يتبين لكم ما جاء به من صدقه أو كذبه أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ أي حذر أن تصيبوا قوما بالقتل والسبي ملتبسين بجهالة حالهم، فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) أي فتصيروا بعد ظهور براءتهم عما نسب إليهم نادمين على ما فعلتم في حقهم في إصابتهم بالقتل وغيره. وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ هو مرشد لكم فارجعوا إليه، واعتمدوا على قوله لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ، أي لو يتبعكم رسول الله في كثير من الحوادث لوقعتم في شدة وهلاك، وقد يوافق الناس ويفعل بمقتضى مصلحتهم تحقيقا لفائدة قوله تعالى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران، الآية: ١٥٩] وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ أي بيّنه وقربه إليكم، وأدخله في قلوبكم، وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ بالبرهان اليقيني بحيث لا تفارقونه، ولا يخرج من قلوبكم وَكَرَّهَ

إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ

. وهذه الثلاثة في مقابلة الإيمان الكامل فإنه يجمع التصديق بالجنان والإقرار باللسان، والعمل بالأركان، فالكفر هو التكذيب بالجنان، والفسوق هو كذب اللسان- كما قاله ابن عباس- فقد قال تعالى: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فسمى من كذب فاسقا، والعصيان هو ترك الأمر، أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) أي الموافقون للرشد يأخذون ما يأتيهم الله وينتهون عما ينهاهم، فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً مفعول من أجله منصوب ب حبّب، و «كره» أو ب الراشدون» وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما في خزائن رحمته من الخير، وكانت النعمة هو ما يدفع به حاجة العبد، حَكِيمٌ (٨) ينزل الخير بقدر ما يشاء على وفق الحكمة، وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما.

قيل: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق وأصحابه، وعبد الله بن رواحة المخلص وأصحابه، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ركب حمارا ومرّ على ابن أبيّ وكان من الخزرج، فبال الحمار، فسد ابن أبي أنفه وقال: إليك عني والله لقد آذاني نتن حمارك، وذلك قبل أن يسلم بالظاهر. فقال ابن رواحة: وكان من الأوس لبول حماره صلّى الله عليه وسلّم أطيب ريحا من مسك، فكان بين قومهما وهما الأوس والخزرج ضرب بالأيدي والنعال والسيف.

وعن قتادة نزلت في رجلين من الأنصار كان بينهما مدارأة في حق فقال أحدهما للآخر:

لآخذن حقي منك عنوة، وطلب الآخر منه أن يحاكمه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأبى أن يتبعه، فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا، وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال، ولم يكن قتال بالسيوف.

وعن سفيان عن السدي قال: كانت امرأة من الأنصار يقال لها: أم زيد تحت رجل وكان بينها وبين زوجها شيء فرقى بها إلى علية وحبسها، فبلغ ذلك قومها فجاءوا وجاء قومه واقتتلوا بالأيدي والنعال، فنزلت هذه الآية، أي وإن تقاتل فرقتان من المؤمنين فأصلحوا بينهما بالنصح

<<  <  ج: ص:  >  >>