للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آمَنَّا

بك وبرسولك فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أي استرها وتجاوز عنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) أي ادفع عنا ذلك الصَّابِرِينَ على أداء فرائض الله واجتناب معاصيه وعلى المرازي وَالصَّادِقِينَ في أيمانهم وأقوالهم ونياتهم. وَالْقانِتِينَ أي المواظبين على العبادات.

وَالْمُنْفِقِينَ أموالهم في سبيل الله وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧) أي في أواخر الليل بأيّ صيغة كانت. وقيل: أي المصلين التطوع فيها، وأعظم الطاعات قدرا أمران:

أحدهما: الخدمة بالمال وإليه الإشارة

بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الشفقة على خلق الله»

والإشارة بقوله تعالى هنا: وَالْمُنْفِقِينَ.

وثانيهما: الخدمة بالنفس وإليه الإشارة

بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «التعظيم لأمر الله»

. والإشارة بقوله تعالى هنا: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ. شَهِدَ اللَّهُ أي بيّن لخلقه بالدلائل السمعية والآيات العقلية أَنَّهُ لا إِلهَ أي لا مستحقا للعبودية موجود إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ وهم الذين عرفوا وحدانيته تعالى بالدلائل القاطعة لأن الشهادة إنما تكون مقبولة إذا كان الإخبار مقرونا بالعلم، ولذلك

قال صلّى الله عليه وسلّم: «إذا علمت مثل الشمس فاشهد»

«١» وهذا يدل على أن الدرجة العالية والمرتبة الشريفة ليست إلا لعلماء الأصول. فشهادة الله تعالى على توحيده. هو أنه خلق الدلائل الدالة على توحيده وشهادة الملائكة وأولي العلم هي إقرارهم بتوحيده تعالى. قائِماً بِالْقِسْطِ أي مقيما للعدل في جميع أموره، وهذا بيان لكماله تعالى في أفعاله بعد بيان كماله في ذاته. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) فالعزة في الملك تلائم الوحدانية. والحكمة في الصنع تلائم القيام بالقسط.

قال الكلبي قدم حبران من أحبار الشام على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالا له: أنت محمد؟ قال: «نعم» .

قالا له: وأنت أحمد؟ قال: «أنا محمد وأحمد» . قالا: فإنا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك. فقال لهما: «سلا» «٢» . قالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز وجل، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأسلم الرجلان

. وفي المدارك: من قرأها عند منامه وقال بعدها:

أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي عنده وديعة، يقول الله يوم القيامة: إن لعبدي هذا عندي عهدا وأنا أحق من وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ فلا دين مرضيا لله تعالى سوى الإسلام الذي هو التوحيد والتدرع بالشريعة الشريفة التي عليها


(١) رواه الزيلعي في نصب الراية (٤: ٨٢) ، والعجلوني في كشف الخفاء (٢: ٩٣) .
(٢) رواه التبريزي في مشكاة المصابيح (٥٧٧٧) ، والبخاري في التاريخ الصغير (١: ١٥) ، والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٢١٦٧) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (١: ٦٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>