كتابهم الرجم، فكرهوا رجمهما لشرفهما فيهم، فرجعوا في أمرهما إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجاء أن يكون عنده رخصة في ترك الرجم، فحكم عليهما بالرجم. فقال له النعمان ابن أوفى وعدي بن عمرو:
جرت علينا يا محمد ليس عليهما الرجم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«بيني وبينكم التوراة فإن فيها الرجم فمن أعلمكم بالتوراة؟» قالوا: عبد الله بن صوريا الفدكي فأتوا به وأحضروا التوراة فقال له: «اقرأ» فلما أتى على آية الرجم وضع كفه عليها وقرأ ما بعدها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال ابن سلام: قد جاوز موضعها يا رسول الله. فرفع كفه عنها، ثم قرأ على رسول الله وعلى اليهود أن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما، وإن كانت حبلى تتربص حتى تضع ما في بطنها فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم باليهوديين فرجما، فغضبت اليهود لذلك غضبا شديدا وانصرفوا فأنزل الله تعالى هذه الآية
. ذلِكَ أي التولي والإعراض بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ أي لن تصيبنا في الآخرة إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أي سبعة أيام وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ أي في ثيابهم على دينهم اليهودية ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) من قولهم ذلك وما أشبهه فَكَيْفَ صنعهم إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ أي في يوم لا شك في مجيئه وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ برة وفاجرة ما كَسَبَتْ أي جزاء ما عملت من ثواب أو عقاب وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥) فلا ينقص أحد من ثواب الطاعات ولا يزاد على عقاب السيئات قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ.
روي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين فتح مكة وعد أمته ملك فارس والروم. فقال المنافقون- منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول- واليهود هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم أولم يكف محمدا مكة والمدينة حتى يطمع في ملك فارس والروم فنزلت هذه الآية.
وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم لما خط الخندق في عام الأحزاب وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا وأخذوا يحفرون، خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم لم تعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليخبره، فذهب إليه، فجاء رسول الله وأخذ المعول من سلمان فلما ضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها- أي المدينة- كأنه مصباح في جوف ليل مظلم فكبّر، وكبّر المسلمون، وقال صلّى الله عليه وسلّم:«أضاء لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب» ثم ضرب الثانية فقال: «أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم» ، ثم ضرب الثالثة فقال:«أضاءت لي منها قصور صنعاء وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة على كلها فأبشروا»«١» . فقال المنافقون: ألا تعجبون من نبيكم يعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الخوف فنزلت هذه الآية.