للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى، فتزوج النبي صلّى الله عليه وسلّم عام فتح مكة أم حبيبة بنت أبي سفيان فلانت عند ذلك عريكة أبي سفيان، واسترخت شكيمته في العداوة، وكانت هي قد أسلمت وهاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى الحبشة، فتنصّر وراودها على النصرانية، فأبت، وصبرت على دينها، ومات زوجها، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى النجاشي، فخطبها عليه، وساق عنه إليها أربعمائة دينار، وبلغ ذلك أباها فقال: ذلك الفحل لا يقرع أنفه. والمراد بقوله تعالى: الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ نفر من قريش آمنوا بعد فتح مكة منهم: أبو سفيان بن حرب، وأبو سفيان بن الحرث، والحرث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام. لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ

يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ

، أي لأجل دينكم وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ أي تصلوهم وهو بدل من «الذين لم يقاتلوكم» وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ أي تفضوا إليهم بالصلة وغيرها، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) أي أهل البر والتواصل عن عبد الله بن الزبير أن هذه الآية نزلت في أسماء بنت أبي بكر، فإن أمها فتيلة بنت عبد العزى، وهي مشركة قدمت عليها بهدايا، فلم تقبلها، ولم تأذن لها بالدخول، فنزلت هذه الآية فأمرها النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تدخلها وتكرمها وتحسن إليها. وقيل: نزلت في خزاعة- قوم هلال بن عويمر- وخزيمة، وبني مدلج، فإنهم صالحوا النبي قبل عام الحديبية على أن لا يقاتلوه، ولا يخرجوه من مكة ولا يعينوا أحدا على إخراجه. وقيل: نزلت في قوم من بني هاشم أخرجوا يوم بدر كرها، وهذه الآية تدل على جواز الإحسان بين المشركين والمسلمين وإن كانت المناصرة منقطعة، إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ أي لأجل دينكم، وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وهم عتاة أهل مكة، وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أي عاونوا عليه من سائر أهل مكة، أَنْ تَوَلَّوْهُمْ أي أن تناصروهم.

هذا بدل اشتمال من «الذين قاتلوكم» وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ أي ومن يحبهم ويناصرهم فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩) لأنفسهم بإقبالها للعذاب لوضعهم المحبة في موضع العداوة. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ أي المقرات بالله مُهاجِراتٍ من مكة من بين الكفار، فَامْتَحِنُوهُنَّ أي فاختبروهن بما يغلب على ظنكم بالتحليف، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول للممتحنة: «بالله الذي لا إله إلا هو ما خرجت من بغض زوج بالله، ما خرجت رغبة من أرض إلى أرض، بالله ما خرجت التماس دنيا، بالله ما خرجت إلا حبا لله ولرسوله» . اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ أي بحقيقة إيمانهن فإن ذلك مما تفرد الله بعلمه فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، أي فإن ظننتموهن بعد الامتحان مؤمنات بالعلائم فلا تردوهن إلى أزواجهن المشركين، لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ أي ليست المؤمنات حلا لأزواجهن الكفار، وهذا بيان لزوال النكاح الأول، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ أي وليس الكفار حلا للمؤمنات. وهذا بيان لامتناع النكاح الجديد وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا أي وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور، فإن المهر في نظير أصل العشرة ودوامها، وقد فوتها المهاجرة فلا يجمع على الرجل خسارتان: الزوجية والمالية. وذلك أن الصلح عام الحديبية كان على أن من

<<  <  ج: ص:  >  >>