يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وهم رسول الله والأميون والآخرون وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) على جميع خلقه في الدنيا بتعليم الكتاب والحكمة، وفي الآخرة بتفخيم الجزاء على الأعمال مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً، أي صفة الذين أمروا بأن يعملوا بما في التوراة، ثم لم يعملوا بما أمروا فيها كصفة الحمار يحمل كتبا كبارا في عدم انتفاعه بها.
وقال أهل المعاني: هذا المثل مثل من يفهم معاني القرآن، ولم يعمل به، وأعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه. بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ أي بئس صفة القوم الذين كذبوا بالتوراة حين تركوا الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) لأنفسهم بتكذيب الأنبياء. قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا أي الذين تهودوا وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أي إن قلتم أنكم أحباء لله من دون محمد وأصحابه فتمنوا من الله أن يميتكم وينقلكم سريعا من دار البلية إلى دار الكرامة التي أعدها الله لأحبابه. وقوله تعالى: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ جواب الشرط، والعامة بضم الواو. وقرأ ابن السميقع وابن يعمر وابن أبي إسحاق بكسرها. وقرأ ابن السميقع أيضا بفتحها للتخفيف، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) في زعمكم فتمنوا الموت فإن من أيقن بأنه من أهل الجنة أحب أن يتخلص إليها وطريقها الموت، وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي ويأبون التمني للموت بسبب ما عملوا من الكفر وتحريف الآيات الموجب لدخول النار، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) أي بظلم الظالمين من تحريف الآيات وعنادهم لها، قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ أي إن الموت الذي تخافون من أن تتمنوه بلسانكم بسبب ما قدمتموه تحريف الآيات وغيره ملاقيكم ألبتة، والفاء في فإنه لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف. وقرأ زيد بن علي أنه بدون فاء، وفي قراءة ابن مسعود «تفرون منه ملاقيكم» من غير «فإنه» ، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فالله تعالى عالم بما غيبتم عن الخلق من نعت محمد صلّى الله عليه وسلّم بما أسررتم في أنفسكم من تكذيبكم رسالته، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) إما عيانا مقرونا بلقائكم يوم القيامة، أو بالجزاء إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ أي إذا نودي لوقت الصلاة من يوم الجمعة، فاذهبوا إلى الخطبة والصلاة، وَذَرُوا الْبَيْعَ أي اتركوا المعاملة، ذلِكُمْ أي الذهاب إلى ذكر الله وترك المعاملة خَيْرٌ لَكُمْ في الآخرة من التكسب في ذلك الوقت، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) أي إن كنتم أهل العلم فأنتم ترون ذلك خيرا فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أي إذا أديت الصلاة فاخرجوا من المسجد إن شئتم لإقامة مصالحكم، واطلبوا الرزق إن شئتم، فهذه رخصة بعد النهي بقوله تعالى: وَذَرُوا الْبَيْعَ.
وعن عراك بن مالك: أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد قال: