هو» خبر لاسم الجلالة، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣) في كل باب لأنه لا مقصود إلا هو، فإن المؤمن لا يعتمد إلا عليه ولا يتقوى إلا به. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) .
قال عطاء بن يسار: نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد، فأراد أن يغزو، فبكوا إليه، ورققوه وقالوا له: إلى من تدعنا؟ فرق عليهم وأقام في البلد وترك الغزو، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية فقال: هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا المدينة، فمنعهم أزواجهم وأولادهم وقالوا لهم: صبرنا على إسلامكم فلا صبر لنا على فراقكم، فأطاعوهم، وتركوا الهجرة، فلما هاجروا بعد ذلك ورأوا المهاجرين الأولين قد تفقهوا في الدين هموا أن يعاقبوا
أزواجهم وأولادهم وإن لحقوا بهم في دار الهجرة لم ينفقوا عليهم ولم يصيبوهم بخير، فنزل قوله تعالى: وَإِنْ تَعْفُوا عن ذنوبهم وَتَصْفَحُوا بترك التثريب والتعيير وَتَغْفِرُوا بإخفائها بعد ما هاجروا من مكة إلى المدينة فإن الله يعاملكم بمثل ما عملتم، وهذه العداوة إنما هي للكفر والنهي عن الإسلام فإنهم من الكفار، أما أزواجهم وأولادهم المؤمنون فلا يكونون عدوا لهم نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
أي بلاء وشغل عن الآخرة إذ منعوكم عن الهجرة والجهاد فلا تطيعوهم في معصية الله تعالى، اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
(١٥) لمن آثر محبة الله تعالى وطاعته على محبة الأموال والأولاد فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ أي ابذلوا في تقوى الله غاية طاقتكم. وهذا مثل قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: ١٠٢] فإنه لا يراد به الاتقاء فيما لا يستطيعونه فوق الطاقة، وَاسْمَعُوا مواعظه وَأَطِيعُوا أوامره، وَأَنْفِقُوا مما رزقكم في الوجوه التي أمركم خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ، أي وأتوا خيرا لأنفسكم وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) أي من يكفه الله بخل نفسه فيفعل في ماله جميع ما أمر به مطمئنا إليه حتى ترتفع عن قلبه الأخطار، فأولئك هم الفائزون بكل مرام إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ أي إن تنفقوا في طاعة الله تعالى من حلال بطيب نفس متقربين إليه يجزكم بالضعف إلى ألفي ألف إلى ما شاء الله من الأضعاف. وقرئ «يضعفه» بتشديد العين. وَيَغْفِرْ لَكُمْ ما فرط منكم من بعض الذنوب ببركة الإنفاق وَاللَّهُ شَكُورٌ يشكر اليسير ويجزي الجزيل من صدقاتكم، حَلِيمٌ (١٧) لا يعجل بالعقوبة على من يمن بصدقته، أو يمتنع من التصدق عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ لا يخفى عليه شيء من الخشية والمن الْعَزِيزُ، أي الذي لا يعجزه شيء، الْحَكِيمُ (١٨) أي الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير، فالعزيز يدل على القدرة، والحكيم يدل على الحكمة.