اليوم لشدة هوله وهذه الجملة صفة ثانية ل «يوما» وقرئ «متفطر» أي متشقق، كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (١٨) والمصدر إما مضاف للمفعول أي كان وعد ذلك اليوم مفعولا، أي كان الوعد المسند إلى ذلك اليوم واجب الوقوع، لأن حكمة الله تعالى وعلمه يقتضيان إيقاعه، وإما مضاف إلى الفاعل أي كان وعد الله لمجيء ذلك اليوم واقعا لا محالة، لأنه تعالى منزه عن الكذب، إِنَّ هذِهِ أي الآيات تَذْكِرَةٌ أي موعظة مشتملة على أنواع الإرشاد فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (١٩) أي فمن شاء النجاة اشتغل بالطاعة واحترز عن المعصية، فإن ذلك هو المنهاج الموصل إلى مرضاته تعالى، إِنَّ رَبَّكَ يا أشرف الخلق يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ.
قرأهما ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي بنصبهما معطوفين على «أدنى» ، أي أنك تقوم أقل من الثلثين وتقوم النصف والثلث. والباقون بجرهما معطوفين على «ثلثي الليل» ، أي تقوم أقل من ثلثي الليل وأقل من النصف والثلث، وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ معطوف على ضمير «تقوم» ، أي ويقوم معك جماعة من أصحابك، وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ فلا يعلم مقادير أجزاء الليل والنهار إلا الله تعالى عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ، أي علم الله إن الحديث لن تقدروا على تقدير الأوقات، ولن تستطيعوا ضبط الساعات أبدا، فالضمير عائد إلى مصدر الفعل، أي علم أنه لا يمكنكم إحصاء مقدار كل واحد من أجزاء الليل والنهار على الحقيقة، ولا يمكنكم تحصيل تلك المقادير على سبيل الظن إلا مع المشقة التامة فَتابَ عَلَيْكُمْ أي فرجع الله بكم إلى ترخيص ترك القيام المقدر، فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل ولو ركعتين. والصحيح أن أول ما فرض عليه صلّى الله عليه وسلّم بعد الدعاء إلى التوحيد: التهجد على التخيير المذكور أول السورة فعسر عليهم القيام به، فنسخ بما تيسر من التجهد، ثم نسخ بإيجاب الصلوات الخمس ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى أي علم الله أنه سيوجد منكم مرضى لا يستطيعون الصلاة بالليل وَآخَرُونَ
، أي وسيوجد آخرون يسافرون في الأرض يطلبون رزق الله يشق عليهم صلاة الليل، وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي وسيوجد آخرون يجاهدون في طاعة الله، فلو لم يناموا في الليل لتوالت أسباب المشقة عليهم، لأنهم مشتغلون في النهار بالأعمال الشاقة فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ، أي فصلوا ما تيسر لكم من التهجد. وهذا تأكيد للأول، فالأول مفرع على قوله تعالى:
عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ إلخ. وهذا مفرع على قوله: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ إلخ فكل واحد من المؤكد والمؤكد مفرع على حكمة وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أي المفروضة وَآتُوا الزَّكاةَ أي أعطوا زكاة أموالكم وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً بأن تنفقوا سائر الإنفاقات في سبيل الخيرات عن طيب قلب وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ أي خير كان من عبادات البدن والمال تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت كما قاله ابن عباس.
وقرأ أبو السمال «هو خير وأعظم أجرا» بالرفع على الابتداء والخبر، وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ في كافة أحوالكم فإن الإنسان لا يخلو من تفريط إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لجميع الذنوب رَحِيمٌ (٢٠) للمؤمنين.