للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى يجب علينا أن نكون من أنصار الله لأجل أننا آمنا بالله فإن الإيمان بالله يوجب نصرة دين الله والذب عن أولياء الله والمحاربة مع أعدائه وَاشْهَدْ يا سيدنا عيسى بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) أي مقرون بالعبادة والتوحيد لله. وذلك إقرار منهم بأن دينهم الإسلام وأنه دين كل الأنبياء صلوات الله عليهم وإشهاد لله أيضا على أنفسهم بذلك. فلما أشهدوا عيسى على إيمانهم وإسلامهم تضرعوا إلى الله تعالى وقالوا: رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ من الكتاب أي الإنجيل وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ أي دين رسول الله عيسى فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) أي اكتبنا في جملة من شهد لك بالتوحيد ولأنبيائك بالتصديق.

وقال ابن عباس: فاكتبنا في زمرة الأنبياء لأن كل نبي شاهد لقومه أو فاكتبنا مع محمد وأمته لأنهم هم المخصوصون بأداء الشهادة وَمَكَرُوا أي أراد اليهود قتل عيسى وَمَكَرَ اللَّهُ أي أراد الله قتل صاحبهم تطيانوس. وقيل: مكرهم بعيسى همهم بقتله، ومكر الله تعالى بهم رفع عيسى إلى السماء. وذلك أن يهودا ملك اليهود أراد قتل عيسى عليه السلام، وكان جبريل لا يفارقه ساعة، فأمره جبريل أن يدخل بيتا فيه روزنة، فلما دخلوا البيت أخرجه جبريل من تلك الروزنة وكان قد ألقي شبهه على غيره فأخذ وصلب. وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤) أي أقوى المريدين ويقال: أفضل الصانعين.

روي عن ابن عباس أن ملك بني إسرائيل اسمه يهوذا لما قصد قتل عيسى أمره جبريل أن يدخل بيتا فيه روزنة فرفعه جبريل من تلك الروزنة إلى السماء فقال الملك لرجل خبيث منهم يقال له تطيانوس: ادخل عليه فاقتله. فدخل البيت فلم ير عيسى فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه، فخرج يخبرهم أنه ليس في البيت، فقتلوه وصلبوه ثم قالوا: وجهه يشبه وجه عيسى وبدنه يشبه بدن صاحبنا فإن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟! فوقع بينهم قتال عظيم إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ أي مستوفي أجلك المسمى وعاصمك من أن يقتلك الكفار وَرافِعُكَ إِلَيَّ من الأرض إلى محل كرامتي وإلى محل ثوابك وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بك أي منجيك منهم وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ أي الذين آمنوا بأنك عبد الله ورسوله والذين صدقوا بنبوتك وادعوا محبتك كالنصارى فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا بك وهم اليهود بالحجة والسيف، والقهر والسلطان، والاستعلاء والنصرة إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فإن ملك اليهود قد ذهب فلم تبق لهم قلعة ولا سلطان، ولا شوكة في جميع الأرض بل يكونون مقهورين أين ما كانوا بالذلة والمسكنة، وملك النصارى باق قائم إلى قريب من قيام الساعة فإنا نرى أن دولة النصارى في الدنيا أعظم وأقوى من أمر اليهود. وذكر محمد بن إسحاق أن اليهود عذبوا الحواريين بعد رفع عيسى عليه السلام إلى السماء فشمسوهم وعذبوهم فبلغ ذلك ملك الروم، وكان ملك اليهود من رعيته. ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>