المقام ادماج لتعظيم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنه صلّى الله عليه وسلّم بلغ من علو المنزلة عند الله تعالى بجعل السفير بينه وبينه تعالى، مثل هذا الملك المقرب، فهذه الصفات التي لجبريل رفع منزلة له صلّى الله عليه وسلّم، وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) أي وبالله لقد رأى رسول الله جبريل عليهما الصلاة والسلام بمطلع الشمس الأعلى على صورته التي خلق عليها، وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالظاء المشالة أي وما محمد بمتهم في القرآن، بل هو ثقة فيما يؤدى عن الله تعالى. وقرأ الباقون بالضاد أي وما محمد ببخيل بالقرآن، بل يخبر بما في القرآن من أخبار الغيب، ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلوانا، وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥) أي وما القرآن بقول مسترق للسمع اسمه مرمى، فيلقيه على محمد، وهذا نفي لقول أهل مكة، إن هذا القرآن يجيء به شيطان فيلقيه على لسان محمد وأنه كهانة وسحر، فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) أي فمن أيّ طريق تسلكون في إنكاركم القرآن أمن نسبته للجنون أو الكهانة، أو السحر، أو الشعر، وهذا استضلال لهم كما يقال لتارك الجادة اعتسافا أين تذهب؟ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) ، أي ما القرآن إلا عظة للإنس والجن، لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) أي لمن شاء منكم الاستقامة بتحري الحق وملازمة الصواب، فإن القرآن إنما ينتفع به من شاء أن يستقيم، وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩) ، أي إلا أن يشاء الله أن يعطيه تلك المشيئة، ففعل الاستقامة موقوف على إرادة الاستقامة، وهذه الإرادة موقوفة الحصول على أن يريد الله أن يعطيه تلك الإرادة، فأفعال العباد في طرفي ثبوتها وانتفائها موقوفة على مشيئة الله.