للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركون: إن محمدا ودعه ربه وقلاه فنزلت، وروي أن سبب احتباس جبريل عليه السلام لأنه كان فيهم من لا يقلم الأظفار وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) أي وللأحوال الآتية خير لك من الماضية كأنه تعالى وعده بأنه سيزيد كل يوم عزا إلى عز، ومنصبا إلى منصب، فيقول: لا تظن أني قليتك، بل إني أزيدك منصبا وجلالا، ثم إن هذا التشريف وإن كان عظيما إلا أن مالك عند الله في الآخرة خير وأعظم، أو وللآخرة خير لك من الدنيا لأن الكفار في الدنيا يطعنون فيك، أما في الآخرة فأجعل أمتك شهداء على الأمم، وأجعلك شهيدا على الأنبياء، ثم أجعل ذاتي شهيدا لك كما قال تعالى: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح: ٢٨، ٢٩] وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ من خيرات الدنيا والآخرة فَتَرْضى (٥) .

روي عن علي بن أبي طالب، وابن عباس أن هذا هو الشفاعة في الأمة

كما

يروى أنه صلّى الله عليه وسلّم لما نزلت هذه الآية قال: إذا لا أرضى وواحد من أمتي في النار

،

وعن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال: رضي جدي أن لا يدخل النار موحد،

وهذا أيضا وعده تعالى رسوله على أحوال الدنيا، فهو إشارة إلى ما أعطاه الله تعالى من الظفر بأعدائه يوم بدر، ويوم فتح مكة، ودخول الناس في الدين أفواجا، والغلبة على قريظة، والنضير وإجلائهم وبث عساكره في بلاد العرب، وما فتح على خلفائه الراشدين في أقطار الأرض من المدائن، وما هدم بأيديهم من ممالك الجبابرة، وما وهبهم من كنوز الأكاسرة، وما قذف في أهل الشرق والغرب من الرعب، وتهيب الإسلام وفشو الدعوة أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) بمد الهمزة أي ضمك إلى من يكفلك، وقرأ أبو الأشهب «فأوى» ثلاثيا أي فرحمك، روي أن عبد الله بن عبد المطلب توفي وهو صلّى الله عليه وسلّم جنين قد أتت عليه ستة أشهر، ثم ولد رسول الله فكان مع عبد المطلب، ومع أمه آمنة، فماتت وهو ابن ست سنين فكان مع جده، ثم مات بعد آمنة بسنتين ورسول الله ابن ثمان سنين، وكان عبد المطلب يوصي أبا طالب به فكان هو الذي يكفل رسول الله بعد جده إلى أن بعثه الله للنبوة، فقام بنصرته صلّى الله عليه وسلّم، ثم توفي أبو طالب فذكره الله هذه النعمة

روي أن أبا طالب قال يوما لأخيه العباس: ألا أخبرك عن محمد بما رأيت منه، فقال: بلى، فقال: إني ضممته إلي فكنت لا أفارقه ساعة من ليل ولا نهار ولا أأتمن عليه أحدا حتى إني كنت أنومه في فراشي، فأمرته ليلة أن يخلع ثيابه وينام معي فرأيت الكراهة في وجهه، لكنه كره أن يخالفني، وقال: «يا عماه اصرف بوجهك عني حتى أخلع ثيابي إذ لا ينبغي لأحد أن ينظر إلى جسدي» ، فتعجبت من قوله وصرفت بصري حتى دخل الفراش فلما دخلت معه في الفراش إذ بيني وبينه ثوب في غاية اللين وطيب الرائحة كأنه غمس في المسك، فجهدت لأنظر إلى جسده فما كنت أرى شيئا وكنت أفتقده من فراشي مرارا فإذا قمت لأطلبه ناداني ها أنا يا عم فأرجع ولقد كنت أسمع منه مرارا كلاما يعجبني، وذلك عند مضي بعض الليل

وكان يقول في أول الطعام: «باسم الله الأحد» ، فإذا فرغ من طعامه قال: «الحمد لله» ، فتعجبت

<<  <  ج: ص:  >  >>