فقال ابن مسعود: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فقال له أبو جهل: بلغ صاحبك أنه لم يكن أحد أبغض إلي منه في حياتي، ولا أحد أبغض إلي منه في حال مماتي ثم قال لابن مسعود: اقطع رأسي بسيفي هذا لأنه أحدّ فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله فلما لم يطقه شق أذنه وجعل الخيط فيه وجعل يجره إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجبريل بين يديه يضحك، ويقول يا محمد: أذن بأذن، لكن الرأس هاهنا مع الأذن.
وقرئ «لنسفعن» بالنون المشددة فالفاعل لهذا الفعل هو الله والملائكة، وقرأ ابن مسعود لأسفعن أي يقول الله: يا محمد أنا الذي أتولى إهانة أبي جهل ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ في قولها خاطِئَةٍ (١٦) في فعلها لأن صاحبها متمرد على الله تعالى لأنه كان كاذبا على الله تعالى في قوله:
إنه تعالى لم يرسل محمدا وكاذبا على رسوله في قوله: إن محمدا ساحر، أو كذاب، أو ليس بنبي، و «ناصية» بدل من الناصية، وقرئ «ناصية» بالرفع والتقدير هي ناصية، وقرئ ناصية بالنصب وكلاهما على الشتم، فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) أي أهل مجلسه الذين يجتمعون فيه للتشاور، أو لأنه مجلس العطاء والجود سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) هم الملائكة الغلاظ الشداد كما قاله الزجاج.
قال ابن عباس: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا فزبره النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو جهل: والله إنك لتعلم بأني أكثر أهل الوادي ناديا فأنزل الله تعالى فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ قال ابن عباس: لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله فكأنه تعالى لما عرفه أنه مخلوق من علق فلا يليق به التكبر، فهو عند ذلك ازداد تعززا بماله ورئاسته في مكة، ويروى أنه قال: ليس بمكة أكرم مني، وروي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قرأ هذه السورة وبلغ إلى قوله تعالى: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ قال أبو جهل: أنا أدعو قومي حتى يمنعوا عني ربك. قال الله تعالى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ فلما ذكر الزبانية رجع فزعا فقيل له: خشيت منه قال: لا، ولكن رأيت عنده فارسا وهددني بالزبانية فلا أدري الزبانية، ومال إلى الفارس فخشيت منه، وقيل: كان جبريل وميكائيل عليهما السلام على كتفيه صلّى الله عليه وسلّم في صورة الأسد قال ابن عباس رضي الله عنهما: والله لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته معاينة، وقرئ «ستدعى الزبانية» على المجهول أي ليجروه إلى النار كَلَّا أي لن يصل أبو جهل إلى ما يتصلف به من أنه يدعو قومه لا تُطِعْهُ أي أبا جهل فيما يأمرك به من ترك الصلاة، بل دم على ما أنت عليه من مخالفته وَاسْجُدْ أي صل وتوفر على عبادة الله تعالى فعلا وإبلاغا، وقلل فكرك في هذا العدو، فإن الله مقويك وناصرك وَاقْتَرِبْ (١٩) أي ابتغ بسجودك قرب المنزلة من ربك.