العذاب. وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ أي الثابتين على دين الإسلام الذي هو أجل نعمة وأعز معروف كأنس بن النضر وأمثاله وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بإرادة الله وقضائه كِتاباً مُؤَجَّلًا أي كتب الله الموت كتابا مؤقتا كتابة أجله ورزقه سواء لا يسبق أحدهما الآخر. وهذا إعلام بأن الحذر لا يدفع القدر وأن أحدا لا يموت قبل الأجل، وإذا جاء الأجل لا يندفع الموت بشيء فلا فائدة في الجبن والخوف وَمَنْ يُرِدْ بعمله ثَوابَ الدُّنْيا أي منفعة الدنيا نُؤْتِهِ مِنْها أي نعطه من الدنيا ما يريد مما نشاء أن نعطيه إياه وما له في الآخرة من نصيب وَمَنْ يُرِدْ بعمله ثَوابَ الْآخِرَةِ أي منفعة الآخرة نُؤْتِهِ مِنْها أي نعطه من الآخرة ما يريد مما نشاء من الأضعاف حسب ما جرى به الوعد الكريم وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) أي نعمة الإسلام الثابتين عليه الصارفين لما آتاهم الله تعالى من القوى إلى ما خلق لأجله من طاعة الله.
فاعلم أن الذين حضروا يوم أحد كانوا فريقين: منهم من يريد الدنيا كالذين كانوا المركز طلبا للغنيمة والثناء، وهؤلاء لا بد وأن ينهزموا. ومنهم من يريد الآخرة كالذين ثبتوا مع أميرهم عبد الله بن جبير حتى قتلوا والذين حضروا للدين لا بد وأن لا ينهزموا. واعلم أن هذه الآية وإن وردت في الجهاد خاصة لكنها عامة في جميع الأعمال وذلك لأن المؤثر في جلب الثواب والعقاب الدواعي. والمقصود لا ظواهر الأعمال كما
في قوله صلّى الله عليه وسلّم:«إنما الأعمال بالنيات»
«١» .
فإن من وضع الجبهة على الأرض في صلاة الظهر والشمس قدامه فإن قصد بذلك السجود عبادة الله تعالى كان ذلك من أعظم دعائم الإسلام وإن قصد به عبادة الشمس كان ذلك من أعظم دعائم الكفر وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قرأ ابن كثير «كائن» بألف بعد الكاف بعدها همزة مكسورة. والباقون بهمزة بعد الكاف بعدها ياء مشدودة. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمر وقتل مبنيا للمفعول. وقتادة كذلك إلا أنه شدد التاء، وباقي السبعة «قاتل» وضمير الفعل يعود على المبتدأ والجملة خبر المبتدأ. وجملة «معه ربيون» من المبتدأ والخبر في محل نصب على الحال من ضمير الفعل، و «كثير» صفة ل «ربيون» .
والمعنى على القراءة الأولى وكثير من الأنبياء قتلوا وبعدهم الذين بقوا من جماعتهم فما وهنوا أي ضعفوا في دينهم بل استمروا على جهاد عدوهم ونصرة دينهم، فكان ينبغي أن يكون حالكم يا أمة
(١) رواه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب: ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ومسلم في كتاب الإمارة، باب: ١٥٥، وأبو داود في كتاب الطلاق، باب: فيما عني به الطلاق والنيّات، والترمذي في كتاب فضائل الجهاد، باب: ١٦، والنسائي في كتاب الطهارة، باب: النية في الوضوء، وابن ماجة في كتاب الزهد، باب: النية، وأحمد في (م ١/ ص ٢٥) .