بالرجوع، فبلغ ذلك الرسول صلّى الله عليه وسلّم فأراد أن يرهب الكفار ويريهم من نفسه ومن أصحابه قوة.
فندب أصحابه إلى الخروج في طلب أبي سفيان وقال:«لا أريد أن يخرج الآن معي إلا من كان معي في القتال بالأمس» فخرج الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع قوم من أصحابه قيل: كانوا سبعين رجلا حتى بلغوا حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال على يسار الطريق لمن أراد ذا الحليفة، وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر، فألقى الله تعالى الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت هذه الآية:
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ وهو أعرابي من خزاعة أو جماعة راكبون من عبد القيس أو نعيم بن مسعود الأشجعي إِنَّ النَّاسَ أي أبا سفيان وأصحابه قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ في اللطيمة وهي سوق في قرب مكة فَاخْشَوْهُمْ بالخروج إليهم.
روي أن أبا سفيان لما عزم على أن ينصرف من المدينة إلى مكة نادى: يا محمد موعدنا موسم بدر إن شئت. فقال صلّى الله عليه وسلّم لعمر:«قل بيننا وبينك ذلك إن شاء الله تعالى» . فلما حضر الأجل خرج أبو سفيان مع قومه حتى نزل بمر الظهران، فألقى الله الرعب في قلبه وبدا له أن يرجع، فمر به ركب من بني عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب إن ثبطوا المسلمين، وقيل: لقي نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فقال: يا نعيم إني واعدت محمدا أن نلتقي بموسم بدر وإن هذا عام جدب وقد بدا لي أن أرجع، ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاد بذلك جراءة فاذهب إلى المدينة فثبطهم ولك عندي عشرة من الإبل فخرج نعيم حتى أتى المدينة فوجد المسلمين يتجهزون لميعاد أبي سفيان، فقال لهم: أين تريدون؟ فقالوا: واعدنا أبا سفيان بموسم بدر أن نقتتل فيها، فقال لهم: ما هذا بالرأي! أتوكم في دياركم وقتلوا أكثركم، فإن ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد. فوقع هذا الكلام في قلوب بعضهم فكره الخروج. فلما عرف الرسول صلّى الله عليه وسلّم ذلك قال:«والذي نفس محمد بيده لأخرجن إليهم ولو لم يخرج معي أحد» . فخرج في سبعين راكبا، وباقي الجماعة يمشون وفيهم ابن مسعود فذهبوا وكلهم يقولون: حسبنا الله ونعم الوكيل. إلى أن وصلوا إلى بدر وكانت موضع سوق لهم يجتمعون فيها كل عام ثمانية أيام فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببدر ينتظر أبا سفيان ثمان ليال ولم يلق أحدا من المشركين، ووافقوا السوق وباعوا ما كان معهم من التجارات واشتروا أدما وزبيبا بحوافي الدرهم درهمين وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين كما قال تعالى
: فَزادَهُمْ إِيماناً أي زادهم هذا الكلام المخوف جراءة بالخروج إليهم وعزما متأكدا على محاربة الكفار وعلى طاعة الرسول وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ أي كافينا الله وثقتنا به وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) أي الكفيل بالنصرة والكافي فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي فخرجوا إلى بدر فرجعوا من بدر ملتبسين بسلامة وثواب من الله وَفَضْلٍ أي ربح في التجارة لَمْ يَمْسَسْهُمْ أي لم يصبهم في الذهاب والمجيء سُوءٌ أي قتل ولا جراح وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ في طاعة رسوله وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) يدفع العدو عنهم ويعطيهم ثواب الغزو ويرضى عنهم إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ.