للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئا منه لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة، وتطييب قلوبهم أو لجر منفعة أو لخوف، أو لبخل للعلم دخل تحت هذا الوعيد.

قال صلّى الله عليه وسلّم: «من كتم علما عن أهله ألجم بلجام من نار»

«١» . وعن محمد بن كعب قال: لا يحل لأحد من العلماء أن يسكت على علمه ولا يحل لجاهل أن يسكت على جهله حتى يسأل. وكان قتادة يقول: طوبى لعالم ناطق ولمستمع واع هذا علم علما فبذله وهذا سمع خبرا فوعاه. لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا أي بما فعلوا من تحريف نصوص التوراة وتفسيرها بتفسيرات باطلة وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا أي يحبون أن يوصفوا بالدين والفضل والعفاف والصدق. فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ أي بمباعدة مِنَ الْعَذابِ.

وقيل: نزلت هذه الآية في شأن المنافقين فإنهم يفرحون بما أتوا من إظهار الإيمان للمسلمين على سبيل النفاق من حيث إنهم كانوا يتوصلون بذلك إلى تحصيل مصالحهم في الدنيا، ثم كانوا يتوقعون من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يحمدهم على الإيمان الذي لم يكن موجودا في قلوبهم. ولا شك أن هذه الآية واردة في الكفار والمنافقين الذين أمر الله رسوله بالصبر على أذاهم فإن أكثر المنافقين كانوا من اليهود. والأولى إجراء الموصول على العموم فيشتمل على كل من يأتي بشيء من الحسنات فيفرح به فرح إعجاب ويود أن يمدحه الناس بما هو عار منه من سداد السيرة واستقامة الطريقة والزهد والإقبال على طاعة الله.

وقرأ حمزة وعاصم والكسائي «تحسبن» و «تحسبنهم» بالتاء الفوقية وكلاهما بفتح الباء، والتقدير: لا تحسبن يا محمد أو أيها السامع أو كلاهما بضم الباء، والخطاب للمؤمنين والمفعول الأول: «الذين يفرحون» ، والثاني: «بمفازة» . وقوله تعالى: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ تأكيد والفاء مقحمة. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالياء التحتية، وكلاهما بفتح الباء، والفاعل للرسول وبضمها والفاعل من يتأتى منه الحسبان أو بفتح الباء في الأول وضمها في الثاني وهو قراءة أبي عمرو، والفاعل هو الموصول والمفعول الأول محذوف، والتقدير ولا يحسبن الذين يفرحون أنفسهم بمفازة من العذاب. ويجوز أن يحمل الفعل الأول على حذف المفعولين معا اختصارا لدلالة مفعولي الفعل الثاني عليهما. أي لا يحسبن هؤلاء أنفسهم فائزين أو على أن الفعل الأول مسند للرسول أو لكل حاسب ومفعوله الأول الموصول والثاني محذوف مفعول الفعل الثاني عليه، والفعل الثاني مسند إلى ضمير الموصول، والفاء للعطف لظهور تفرع عدم


(١) رواه أبو داود في كتاب العلم، باب: كراهية منع العلم، والترمذي في كتاب العلم، باب: ٣، وابن ماجة في المقدّمة، باب: من سئل عن علم فكتمه، وأحمد في (م ٢/ ص ٢٦٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>