للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضمضة مقدمة للأكل فكذا القبلة مقدمة للجماع فإذا كانت المضمضة لم تفسد الصيام فكذلك القبلة

ولما سألته صلّى الله عليه وسلّم الخثعمية عن الحج عن أبيها فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته هل يجزئ» فقالت: نعم، قال صلّى الله عليه وسلّم: «فدين الله أحق بالقضاء»

«١» . وأما الأثر فما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: أعرف الأشباه والنظائر، وقس الأمور برأيك. فدل مجموع ما ذكر على أن قوله تعالى: فَرُدُّوهُ أمر برد الشيء إلى شبيهه وهذا هو الذي يسميه الشافعي رحمه الله تعالى: قياس الأشباه، ويسميه أكثر الفقهاء: قياس الطرد إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وهذا محمول على التهديد فإن الإيمان بهما يوجب ذلك ذلِكَ أي الذي أمرتكم به في هذه الآيات خَيْرٌ لكم وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩) أي عاقبة لكم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أي يدعون أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وهو القرآن وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وهو التوراة يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ أي كثير الطغيان وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ أي والحال أنهم قد أمروا في القرآن أن يتبرءوا من الطاغوت وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ بالتحاكم إليه أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (٦٠) عن الحق والهدى.

قال كثير من المفسرين: خاصم رجل من المنافقين- يقال له: بشر- رجلا من اليهود.

فقال اليهودي: بيني وبينك أبو القاسم. وقال المنافق: بيني وبينك كعب بن الأشرف. وسبب ذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقضي بالحق ولا يلتفت إلى الرشوة، واليهودي كان محقا وأن كعبا شديد الرغبة في الرشوة، والمنافق كان مبطلا. وأصرّ اليهودي على قوله بذلك. فذهبا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحكم لليهودي على المنافق فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: لا أرضى، انطلق بنا إلى أبي بكر فأتياه فحكم لليهودي فلم يرض المنافق وقال: بيني وبينك عمر. فذهبا إليه فأخبره اليهودي بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر حكما على المنافق فلم يرض بحكمهما، فقال للمنافق:

أهكذا؟ فقال: نعم، قال: اصبر إن لي حاجة أدخل بيتي فأقضيها وأخرج إليكما فدخل وأخذ سيفه ثم خرج إليهما فضرب به عنق المنافق حتى برد أي مات وقال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله. وهرب اليهودي فجاء أهل المنافق فشكوا عمر إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأل صلّى الله عليه وسلّم عمر عن قصته فقال: إنه رد حكمك يا رسول الله. فجاء جبريل عليه السلام في الحال ونزلت هذه الآية، وقال جبريل: إن عمر هو الفاروق فرق بين الحق والباطل. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعمر: «أنت


الرخصة في القبلة للصائم، وأحمد في (م ١/ ص ٢١) .
(١) رواه البخاري في كتاب الأيمان، باب: من مات وعليه نذر، «بما معناه» ، والنّسائي في كتاب الحج، باب: تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين، والدارمي في كتاب المناسك، باب:
الحج عن الميت، وأحمد في (م ١/ ص ٢١٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>