لأعطيناهم من عندنا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) أي ثوابا وافرا في الجنة وكيف لا يكون عظيما وقد
قال صلّى الله عليه وسلّم:«فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»
«١» . وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨) أي طريقا من عرصة القيامة إلى الجنة وحمل لفظ الصراط في هذا الموضع على هذا المعنى أولى، لأنه تعالى ذكره بعد ذكر الأجر والدين الحق مقدم على الأجر، والطريق من عرصة القيامة إلى الجنة إنما يحتاج إليه بعد استحقاق الأجر وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ بأن يعرف أنه إله ويقر بجلاله وعزته واستغنائه عمن سواه وَالرَّسُولَ أي بأن ينقاد انقيادا تاما لجميع الأوامر والنواهي فَأُولئِكَ أي المطيعون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي فإنهم في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر وإن بعد المكان لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضا وإذا أرادوا الزيادة والتلاقي قدروا على الوصول إليهم بسهولة مِنَ النَّبِيِّينَ محمد صلّى الله عليه وسلّم وغيره وَالصِّدِّيقِينَ أي السابقين إلى تصديق الرسل فصاروا في ذلك قدوة لسائر الناس وهم أفاضل أصحاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وَالشُّهَداءِ أي الذين يشهدون بصحة دين الله تعالى تارة بالحجة والبيان وأخرى بالسيف والسنان فالشهداء هم القائمون بالقسط، وأما كون الإنسان مقتول الكافر فليس فيه زيادة شرف لأن هذا القتل قد يحصل في الفساق، ومن لا منزلة له عند الله والمؤمنون قد يقولون: اللهم ارزقنا الشهادة فلو كانت الشهادة عبارة عن قتل الكافر إياه لكانوا قد طلبوا من الله ذلك القتل فإنه غير جائز لأن طلب صدور ذلك القتل من الكافر كفر فكيف يجوز أن يطلب من الله ما هو كفر وَالصَّالِحِينَ في الاعتقاد والعمل فإن الجهل فساد في الاعتقاد والمعصية فساد في العمل وهم الصارفون أعمارهم في طاعة الله وأموالهم في مرضاته وكل من كان اعتقاده صوابا وعمله غير معصية فهو صالح، ثم إن الصالح قد يكون بحيث يشهد لدين الله بأنه هو الحق وأن ما سواه هو الباطل وهذه الشهادة تارة تكون بالحجة والدليل، وأخرى بالسيف، وقد يكون الصالح غير موصوف بكونه قائما بهذه الشهادة فثبت أن كل من كان شهيدا كان صالحا، ولا عكس فالشهيد أشرف أنواع الصالح، ثم الشهيد قد يكون صديقا وقد لا. ومعنى الصديق هو الذي كان أسبق إيمانا من غيره وكان إيمانه قدوة لغيره فثبت أن كل من كان صديقا كان شهيدا ولا عكس فثبت أن أفضل الخلق الأنبياء وبعدهم
الصديقون وبعدهم من ليس له درجة إلا محض درجة الشهادة وبعدهم من ليس له إلا محض درجة الصلاح وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) أي ما أحسن أولئك المذكورين صاحبا في الجنة وحسن لها حكم نعم والمخصوص بالمدح محذوف
(١) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ومسلم في كتاب الجنّة، باب: ٢، وابن ماجة في كتاب الزهد، باب: صفة الجنّة، وأحمد في (م ٥/ ص ٣٣٤) .