فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي لإعلاء دين الله الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وهم المنافقون الذين تخلفوا عن أحد فأمروا أن يغيروا ما بهم من النفاق ويخلصوا الإيمان بالله ورسوله ويجاهدوا في سبيل الله فلم تدخل الباء إلا على المتروك، لأن المنافقين تاركون للآخرة آخذون للدنيا أي فليقاتل الذين يختارون الحياة الدنيا على الآخرة. وعلى هذا فلا بد من حذف تقديره آمنوا ثم قاتلوا. أو المراد ب «الذين» يشرون هم المؤمنون الذين تخلفوا عن الجهاد. وعلى هذا فيشرون بمعنى يبيعون أي فليقاتل في طاعة الله الذين يبيعون الدنيا بالآخرة أي يختارون الآخرة على الدنيا وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعة الله فَيُقْتَلْ أي يمت شهيدا أَوْ يَغْلِبْ أي يظفر على العدو فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أي نعطيه في كلا الوجهين أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وهو المنفعة الخالصة الدائمة المقرونة بالتعظيم وإذا كان الأجر حاصلا على كلا التقديرين لم يكن عمل أشرف من الجهاد وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ أي أيّ شيء لكم يا معشر المؤمنين غير مقاتلين مع أهل مكة أي لا عذر لكم في ترك المقاتلة فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي لأجل طاعة الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ أي ولأجل المستضعفين مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ أي الصبيان. وقيل: المراد بالولدان العبيد والإماء أي وهم قوم من المسلمين الذين بقوا بمكة وعجزوا عن الهجرة إلى المدينة وكانوا يلقون من كفار مكة أذى شديدا.
قال ابن عباس: كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان الَّذِينَ يَقُولُونَ في مكة رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وهي مكة وكون أهلها موصوفين بالظلم لأنهم كانوا مشركين وكانوا يؤذون المسلمين ويوصلون إليهم أنواع المكاره وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) أي ولّ علينا واليا من المؤمنين يقوم بمصالحنا ويحفظ علينا ديننا، وانصرنا على أعدائنا برجل يمنعنا من الظالمين. فأجاب الله دعاءهم واستنقذهم من أيدي الكفار لأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما فتح مكة جعل عتاب بن أسيد أميرا لهم. وكان الولي هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والنصير عتاب بن أسيد، وكان ابن ثماني عشرة سنة فكان ينصر المظلومين على الظالمين، وينصف الضعيف من القوي والذليل من العزيز. الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي لغرض نصرة دين الله وإعلاء كلمته وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ أي في سبيل غير رضا الله فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ أي جند الشيطان إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ أي إن صنع الشيطان في فساد الحال على جهة الحيلة كانَ ضَعِيفاً (٧٦) لأن الله ينصر أولياءه والشيطان ينصر أولياءه ولا شك أن نصرة الشيطان لأوليائه. أضعف من نصرة الله لأوليائه ألا ترى أن أهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر، وإن كانوا حال حياتهم في غاية الفقر! وأما الملوك والجبابرة فإذا ماتوا انقرض أثرهم ولا يبقى في الدنيا رسمهم؟! أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ
نزلت هذه الآية في جماعة من الصحابة: عبد الرحمن بن عوف الزهري، وسعد بن أبي وقاص