«١» . وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أي هذا المذكور من الصدقة وفنون الجميل والإصلاح، أو ذلك الأمر بهذه الأقسام الثلاثة كأنه قيل: ومن يأمر بذلك ويجوز أن يراد بالفعل الأمر، فعبر عن الأمر بالفعل لأن الأمر فعل من الأفعال أي ومن يأمر بذلك ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ أي طلب رضوان الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤) أما إذا أتى بذلك للرياء والسمعة صار من أعظم المفاسد. وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن المطلوب من الأعمال الظاهرة رعاية أحوال القلب في إخلاص النية وتصفية القلب عن داعية الالتفات إلى غرض سوى طلب رضوان الله.
وقرأ أبو عمرو وحمزة «يؤتيه» بالياء مناسبة للغيب في قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ. والباقون بنون العظمة مناسبة لقوله تعالى الآتي نوله ونصله وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥) .
روي أن طعمة بن أبيرق لما رأى أن الله تعالى هتك ستره وبرأ اليهودي عن تهمة السرقة ارتد وذهب إلى مكة، ونقب جدار إنسان لأجل السرقة، فتهدم الجدار عليه ومات، فنزلت هذه الآية، ومعناها: ومن يخالف الرسول في الحكم من بعد ما ظهر له بالدليل صحة دين الإسلام ويتبع دينا غير دين الموحدين نتركه إلى ما اختار لنفسه، ونخله إلى ما اعتمد عليه في الدنيا وندخله جهنم في الآخرة وبئس مصيره جهنم. وذلك أن طعمة قد تبين له بما أوحى الله تعالى من أمره- من أنه سارق- ما دله ذلك على صحة نبوة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم فعادى الرسول وأظهر الشقاق وترك دين الإسلام واتبع دين عبادة الأصنام إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ إذا مات على الشرك وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ أي الشرك لِمَنْ يَشاءُ سواء حصلت التوبة أو لم تحصل.
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن شيخا من العرب جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إني شيخ منهمك في الذنوب إلا أني لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ولم أتخذ من دونه وليا ولم أواقع المعاصي جراءة على الله تعالى، وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هربا وأني لنادم تائب مستغفر فما ترى حالي عند الله تعالى؟ فنزلت هذه الآية. وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (١١٦) عن الحق فإن الشرك أعظم أنواع الضلالة أما من لم يشرك بالله لم يكن ضلاله بعيدا فلا يصير محروما عن الرحمة، ثم بيّن الله تعالى كون الشرك ضلالا بعيدا فقال: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً أي ما يعبد المشركون من أهل مكة إلا أوثانا يسمونها باسم الإناث كقولهم: اللات، والعزى، ومناة. واللات: تأنيث العزيز. ومناة: تأنيث المنان. أو لأنهم كانوا يزينونها على هيآت النسوان.
(١) رواه ابن ماجة في المقدمة، باب: كف اللسان في الفتنة. [.....]