الكلام الأول فحينئذ الجار والمجرور متعلق بما قبله، واسم الإشارة عائد على القتل أي من أجل أن قابيل قتل هابيل ولم يواره بالتراب. كَتَبْنا أي أوجبنا في التوراة عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ أي الشأن مَنْ قَتَلَ نَفْساً واحدة من بني آدم بِغَيْرِ نَفْسٍ أي بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ أي أو بغير فساد يوجب إهدار الدم من كفر أو زنا أو قطع طريق.
وقرأ الحسن بنصب فساد بإضمار فعل أي أو عمل فسادا فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً في تعظيم أمر القتل العمد العدوان كما أن قتل كل الخلق أمر مستعظم عند كل أحد. فالمقصود مشاركة الأمرين في الاستعظام وكيف لا يكون مستعظما وقد قال تعالى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً [النساء: ٩٣] وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ أي ومن خلص نفسا واحدة من المهلكات كالحرق والغرق، والجوع المفرط، والبرد والحر المفرطين.
قال ابن عباس أي وجبت له الجنة بعفو عن نفس كما لو عفا عن الناس جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ أي بني إسرائيل رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ أي المعجزات ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ أي بعد مجيء الرسل وبعد ما كتبنا عليهم تحريم القتل لَمُسْرِفُونَ (٣٢) في القتل لا يبالون بعظمته فإنهم كانوا أشد الناس جراءة على القتل حتى كانوا يقتلون الأنبياء إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي إنما جزاء الذين يخالفون أحكام الله وأحكام رسوله، أو إنما مكافأة الذين يحاربون أولياء الله وأولياء رسوله وهم المسلمون وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أي يعملون في الأرض مفسدين بالمعاصي وهو القتل وأخذ المال ظلما أَنْ يُقَتَّلُوا واحدا بعد واحد إن قتلوا أَوْ يُصَلَّبُوا ثلاثة أيام بعد القتل والصلاة عليهم. وقيل: يصلبون أحياء ثم يزج بطنهم برمح حتى يموتوا إن جمعوا بين أخذ المال والقتل. أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أي تقطع مختلفة بأن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى إن اقتصروا على أخذ المال من مسلم أو ذمي وكان المقدار بحيث لو قسم عليهم أصاب كلا منهم نصاب السرقة أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ إن أخافوا السبل.
قال أبو حنيفة: النفي من الأرض هو الحبس وهو اختيار أكثر أهل اللغة. قالوا:
والمحبوس قد يسمى منفيا من الأرض لأنه لا ينتفع بشيء من طيبات الدنيا ولذاتها ولا يرى أحدا من أحبابه فصار منفيا عن جميع اللذات والشهوات والطيبات، فكان كالمنفي في الحقيقة. وقال الشافعي: هذا النفي محمول على وجهين:
الأول: أن هؤلاء المحاربين إذا قتلوا وأخذوا المال فالإمام إن أخذهم أقام عليهم الحد،