للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذات عيسى واتحد بذات عيسى. وَقالَ الْمَسِيحُ أي والحال قد قال المسيح مخاطبا لهم يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ أي وحدوا الله في العبادة خالقي وخالقكم إِنَّهُ أي الشأن مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شيئا في عبادته أو فيما يختص به من صفات الألوهية فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أي فقد منعه الله من دخولها وَمَأْواهُ النَّارُ فإنها هي المعدة للمشركين وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) أي وما لهم من أحد ينصرهم بإنقاذهم من النار إما بطريق المبالغة أو بطريق الشفاعة. فقوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ إلى آخر الآية وارد من جهته تعالى لتأكيد مقالة عيسى عليه السلام ولتقرير مضمونها لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وهم النسطورية والمرقوسية.

وفي تفسير قولهم طريقان:

الأولى: قال بعض المفسرين: إنهم أرادوا بذلك إن الله ومريم وعيسى آلهة ثلاثة. فمعنى ثالث ثلاثة أي أحد ثلاثة آلهة، فكل واحد من هؤلاء إله لأنهم يقولون: إن الآلهة مشتركة بين هؤلاء الثلاثة. قال الواحدي: ولا يكفر من يقول: إن الله ثالث ثلاثة إذا لم يرد به ثالث ثلاثة آلهة فإنه ما من شيئين إلا والله ثالثهما بالعلم اه. كما

قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما»

«١» .

والثانية: حكى المتكلمون عن النصارى أنهم يقولون: إن الإله جوهر واحد مركب من ثلاثة أقانيم أب وابن وروح قدس. فهذه الثلاثة إله واحد، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة، وعنوا بالأب: الذات. وبالابن: الكلمة. وبالروح: الحياة، وقالوا: إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء باللبن واختلاط الماء بالخمر وزعموا أن الأب إله والابن إله والروح إله والكل إله واحد. وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ أي وما في الوجود من هذه الحقيقة إلا فرد واحد، أو المعنى وما من إله لأهل السموات والأرض إلا إله لا ولد له ولا شريك له فهو إله واحد بالذات منزه عن شائبة التعدد بوجه من الوجوه وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ أي من هاتين المقالتين وما قرب منهما لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ أي ليصيبن الذين أقاموا على هذا الدين عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أي شديد الألم أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ أي ألا ينتهون عن تلك العقائد الزائغة والأقاويل الباطلة فلا يتوبون إلى الله عن تلك المقالة والعقيدة ويستغفرونه بالتوحيد والتنزيه عن الاتحاد والحلول. أو المعنى أيسمعون هذه الشهادات المكررة والتشديدات المقررة فلا يتوبون عقب سماع تلك القوارع الهائلة؟ وَاللَّهُ غَفُورٌ


(١) رواه مسلم في فضائل الصحابة، باب: ١، وأحمد في (م ١/ ص ٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>