للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتتابع المسلمون فكان جميع من هاجر إلى أرض الحبشة اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان، فلما كانت وقعة بدر وقتل الله فيها صناديد الكفار. قال كفار قريش: إن ثاركم بأرض الحبشة فاهدوا إلى النجاشي واسمه أصحمة وابعثوا إليه رجلين من ذوي رأيكم لعله يعطيكم من عنده فتقتلونهم بمن قتل منكم ببدر، فبعث

كفار قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعة بهدايا إلى النجاشي وبطارقته ليردهم إليهم فدخلا إليه فقالا له: أيها الملك إنه قد خرج فينا رجل زعم أنه نبي وهو قد بعث إليك برهط من أصحابه ليفسدوا عليك قومك فأحببنا أن نخبرك خبرهم وأن قومنا يسألونك أن تردهم إليهم فقال: حتى نسألهم، فأمر بهم فأحضروا فلما أتوا باب النجاشي قالوا: يستأذن أولياء الله. فقال: ائذنوا لهم فمرحبا بأولياء الله. فلما دخلوا عليه سلموا، فقال الرهط من المشركين: أيها الملك ألا ترى أنهم لم يحيوك بتحيتك التي تحيا بها؟ فقال لهم الملك: ما منعكم أن تحيوني بتحيتي؟ قالوا: إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة. فقال لهم النجاشي: ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ فقال جعفر بن أبي طالب: يقول هو عبد الله ورسوله وكلمة الله وروح منه ألقاها إلى مريم العذراء، ويقول في مريم إنها العذراء البتول. فأخذ النجاشي عودا من الأرض وقال: والله ما زاد صاحبكم على ما قال عيسى قدر هذه العود. فكره المشركون قوله وتغيرت وجوههم. فقال:

هل تعرفون شيئا مما أنزل على صاحبكم؟ قالوا: نعم. قال: اقرءوا. فقرأ جعفر سورة مريم وهناك قسيسون ورهابين وسائر النصارى، فعرفوا ما قرأ فانحدرت دموعهم وما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر الطيار من القراءة، فقال النجاشي لجعفر وأصحابه: اذهبوا فأنتم بأرضي آمنون. فرجع عمرو ومن معه خائبين وأقام المسلمون عند النجاشي بخير دار وخير جوار إلى أن علا أمر رسول الله وقهر أعداءه في سنة ست من الهجرة وكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى النجاشي على يد عمرو بن أمية الضمري ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قد هاجرت إليه مع زوجها ومات عنها، فأرسل النجاشي إليها جارية اسمها أبرهة تخبرها بخطبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسرت أم حبيبة بذلك وأذنت لخالد بن سعيد أن يزوجها فأنفذ النجاشي إليها أربعمائة دينار صداقها على يد أبرهة، وقالت أبرهة: قد صدقت بمحمد وآمنت به وحاجتي إليك أن تقرئيه مني السلام، قالت: نعم وقالت: فخرجنا إلى المدينة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخيبر وأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخلت عليه فقرأت عليه السلام من أبرهة جارية الملك فرد الرسول عليها السلام ووافى جعفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بخيبر ومع جعفر سبعون رجلا عليهم ثياب الصوف، منهم اثنان وستون رجلا من الحبشة، وثمانية نفر من رهبان الشام: بحيرا الراهب وأصحابه أبرهة وأشرف وإدريس، وتميم وتمام ودريد وأيمن وكلهم من أصحاب النجاشي، فقرأ عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة يس إلى آخرها فبكوا وآمنوا وأسلموا. وقالوا: ما أشبه هذا بما

<<  <  ج: ص:  >  >>