للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مقاتل بن حبان: ابتلاهم الله بصيد البر وهم محرمون عام الحديبية حتى كانت الوحش والطير تغشاهم في رحالهم فيقدرون على أخذ الطير بالأيدي، والوحش بالرماح وما رأوا مثل ذلك قط فنهاهم الله عنها ابتلاء لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ أي ليعاملكم معاملة من يطلب أن يعلم من يخافه حال كون الله تعالى غير مرئي له غائبا عن رؤيته أو يخافه بإخلاص القلب فيترك الصيد فَمَنِ اعْتَدى بالتعرض للصيد بَعْدَ ذلِكَ أي بعد بيان أن ما وقع من الصيد ابتلاء من عند الله تعالى لتمييز المطيع من العاصي فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤) وهو العذاب في الآخرة والتعزير في الدنيا.

قال ابن عباس: هذا العذاب هو أن يضرب بطنه وظهره ضربا وجيعا وينزع ثيابه. ولما قتل أبو اليسر بن عمرو صيدا متعمدا بقتله ناسيا لإحرامه أنزل الله تعالى قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ أي محرمون أو داخلون في الحرم وَمَنْ قَتَلَهُ أي الصيد مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً أي بقتله مع نسيان الإحرام كما قاله مجاهد والحسن فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ أي شبهه في الخلقة والتقييد بالتعمد، لأن الآية نزلت في المتعمد حيث قتل أبو اليسر حمار وحش وهو محرم عمدا ولأن الأصل فعل المتعمد، والخطأ ملحق بالعمد فيستوي في محظورات الإحرام العمد والخطأ في جزاء الإتلافات يَحْكُمُ بِهِ أي بمثل ما قتل ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أي رجلان صالحان من أهل دينكم فقيهان عدلان فينظران إلى أشبه الأشياء بالمقتول من النعم فيحكمان به.

قال ميمون بن مهران: جاء أعرابي إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: إني أصبت من الصيد كذا وكذا. فسأل أبو بكر رضي الله عنه أبي ابن كعب فقال الأعرابي: أتيتك أسألك وأنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: وما أنكرت من ذلك، قال الله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فشاورت صاحبي فإذا اتفقنا على شيء أمرناك به. وعن قبيصة بن جابر أنه حين كان محرما ضرب ظبيا فمات، فسأل عمر بن الخطاب وكان بجنبه عبد الرحمن بن عوف فقال عمر لعبد الرحمن: ما ترى؟ قال: عليه شاة، قال: وأنا أرى ذلك، فقال: اذهب فاهد شاة، قال قبيصة: فخرجت إلى صاحبي وقلت له: إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره قال:

ففاجأني عمر وعلاني بالدرة وقال: أتقتل في الحرم وتسفه الحكم؟ قال الله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فأنا عمر وهذا عبد الرحمن بن عوف وقد حكم ابن عباس وعمر وغيرهما بشاة في الحمام وهو كل ما عب وهدر من الطير كالقمري والدبسي هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ فهديا منصوب على التمييز والمعنى يحكمان بالمثل هديا يساق إلى الكعبة أي إلى أرض الحرم فينحر هناك أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ فقوله كفارة عطف على قوله فجزاء أي فعليه جزاء أو كفارة إلخ أو عطف على محل قوله من النعم وقوله: طعام مساكين عطف بيان لأن الطعام هو الكفارة أَوْ عَدْلُ ذلِكَ أي أو مثل ذلك الطعام صِياماً فقوله: أو عدل عطف على طعام إلخ كأنه قيل: فعليه جزاء

<<  <  ج: ص:  >  >>