هو الله تعالى فدعهم يكونوا عندك، ولا تطردهم فتكون من الظالمين لنفسك بهذا الطرد ولهم، لأنهم استحقوا مزيد التقريب. وقيل: إن الكفار طعنوا في إيمان أولئك الفقراء وقالوا: يا محمد إنهم إنما اجتمعوا عندك وقبلوا دينك لأنهم يجدون بهذا السبب مأكولا وملبوسا عندك، وإلا فهم فارغون عن دينك فقال الله تعالى: إن كان الأمر كما يقولون فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر، وإن كان لهم باطن غير مرضي عند الله فحسابهم عليه لازم لهم لا يتعدى إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعدى إليهم وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ أي ومثل ذلك الفتون المتقدم فتنا بعض هذه الأمة ببعض وكل أحد مبتلى بضده فأولئك الكفار الرؤساء الأغنياء كانوا يحسدون فقراء الصحابة على كونهم سابقين في الإسلام مسارعين إلى قبوله فقالوا: لو دخلنا في الإسلام لوجب علينا أن ننقاد لهؤلاء الفقراء المساكين وأن نعترف لهم بالتبعية فامتنعوا من الدخول في الإسلام لذلك، واعترضوا على الله في جعل أولئك الفقراء رؤساء في الدين، وأما فقراء الصحابة فكانوا يرون أولئك الكفار في الراحات والمسرات والطيبات والخصب والسعة، فكانوا يقولون: كيف حصلت هذه الأحوال لهؤلاء الكفار وبالجملة؟ فصفات الكمال مختلفة متفاوتة محبوبة لذاتها موزعة على الخلق فلا تجتمع في إنسان واحد ألبتة فكل أحد بحسد صاحبه على ما آتاه من الله من صفات الكمال لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا بالإيمان بالله ومتابعة الرسول وغرضهم بذلك إنكار وقوع المن رأسا وهذه اللام لام كي والتقدير ومثل ذلك الفتون فتنا ليقولوا: هذه المقالة امتحانا منا، وقيل: إنها لام الصيرورة والمعنى وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليصيروا أو ليشكروا فكان عاقبة أمرهم أن قالوا: أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟ قال: تعالى ردا عليهم:
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) لنعمه حتى تستبعدوا إنعامه عليهم. وفي هذا الاستفهام التقريري إشارة إلى أن الضعفاء عارفون بحق نعم الله تعالى في تنزيل القرآن وفي التوفيق للإيمان شاكرون له تعالى على ذلك وتعريض بأن القائلين بتلك المقالة بمعزل من ذلك كله وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ قيل: نزلت هذه الآية في أهل الصفة الذين سأل المشركون رسول الله عليه السلام طردهم فأكرمهم الله تعالى بهذا الإكرام فإن الله تعالى نهى رسوله أولا عن إبعادهم، ثم أمره بتبشيرهم بالسلامة عن كل مكروه في الدنيا والرحمة في الآخرة كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي أوجب على ذاته المقدسة الرحمة بطريق الفضل والكرم تبشيرا لهم بسعة رحمته تعالى وبنيل المطالب أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً أي ذنبا بِجَهالَةٍ بتعمد بسبب الشهوة وكان جاهلا بمقدار ما يستحقه من العقاب وما يفوته من الثواب ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ أي ندم من بعد عمل المعصية وَأَصْلَحَ عمله بالتوبة منه تداركا وعزما على أن لا يعود إليه أبدا فَأَنَّهُ أي الله غَفُورٌ بسبب إزالة العقاب رَحِيمٌ (٥٤) بسبب إيصال الثواب الذي هو النهاية في الرحمة وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ أي كما فصلنا لك في هذه السورة دلائلنا على صحة التوحيد