قرأ عاصم وحمزة والكسائي على صيغة الماضي. والباقون على صيغة اسم الفاعل وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً أي قدّر الله تعالى حركة بمقدار معين من السرعة والبطء بحيث تتم الدورة في سنة، وقدّر حركة القمر بحيث تتم الدورة في شهر وبهذه المقادير تنتظم مصالح العالم في الفصول الأربعة وبسببها يحصل ما يحتاج إليه من نضج الثمار وحصول الغلات ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ أي حصول هذه الأحوال لا يمكن إلا بقدرة كاملة متعلقة بجميع الممكنات وبعلم نافذ في جميع المعلومات من الكليات والجزئيات فليس حصول حركات أجرام الأفلاك بصفاتها المخصوصة بالطبع وإنما هو بتخصيص الفاعل المختار وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي وهو الذي خلق لكم النجوم لاهتدائكم بها في مشتبهات الطرق إذا سافرتم في بر أو بحر، ولاستدلالكم بها على معرفة القبلة وعلى معرفة أوقات الصلاة قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) أي قد بينّا العلامات الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا لقوم يتأملون فيستدلون بالمحسوس على المعقول وينتقلون من الشاهد إلى الغائب، أي فإن هذه النجوم كما يستدل بها على الطرقات في ظلمات البر والبحر فكذلك يستدل بها على معرفة الصانع الحكيم وكمال قدرته وعلمه وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أي الذي خلقكم مع كثرتكم من نفس آدم عليه السلام فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو «فمستقر» بكسر القاف. والباقون بفتحها وأما مستودع فهو بفتح الدال لا غير بالمعنى على الأول فمنكم مستقر ومنكم شيء مودع في الصلب وهو النطفة وعلى الثاني فلكم مكان استقرار وهو الأرحام، ومكان استيداع وهو نفس الأصلاب. والفرق بين المستقر والمستودع أن المستقر ما لم يكن على قرب الزوال والمستودع ما كان على قرب الزوال فإن النطفة تبقى في صلب الأب زمانا قصيرا والجنين يبقى في رحم الأم زمانا طويلا ولما كان المكث في بطن الأم أكثر من المكث في صلب الأب حمل المستقر على الرحم والمستودع على الصلب.
وقيل: إن المستقر صلب الأب والمستودع: رحم الأم، لأن النطفة حصلت في صلب الأب قبل حصولها في رحم الأم. فحصول النطفة في الرحم من فعل الرجل مشبه بالوديعة وحصولها في الصلب لا من جهة الغير.
وقال أبو مسلم الأصبهاني: إن تقدير الآية هو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمنكم ذكر ومنكم أنثى، وإنما عبر عن الذكر بالمستقر لأن النطفة إنما تنشأ في صلبه وتستقر فيه. وإنما عبر عن الأنثى بالمستودع لأن رحمها شبيه بالمستودع لتلك النطفة قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ أي قد بينا العلامات الدالة على قدرتنا من تفاصيل خلق البشر لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨) أي يدققون النظر فإن