للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الألف وسكون السين وفتح التاء أي حفظت وأتقنت بالدرس أخبار الأولين كقولهم: أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا وَلِنُبَيِّنَهُ أي الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥) وهم أولياء الله الذين هداهم إلى سبيل الرشاد اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أي لزم العمل بما أنزل إليك من ربك ولا يصر ذلك القول سببا لفتورك في تبليغ الرسالة والدعوة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يجب طاعته ولا يجوز الإعراض عن تكاليفه وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) أي اترك في الحال مقابلتهم فيما يأتونه من سفه واعدل إلى الطريق الذي يكون أقرب إلى القبول وأبعد عن التغليظ والتنفير وَلَوْ شاءَ اللَّهُ عدم إشراكهم ما أَشْرَكُوا أي لا تلتفت يا أشرف الخلق إلى سفاهات هؤلاء الكفار الذين قالوا لك: إنما جمعت هذا القرآن من مذاكرة الناس ولا يثقلن عليك كفرهم، فإنا لو أردنا إزالة الكفر عنهم لقدرنا ولكنا تركناهم مع كفرهم فلا ينبغي أن تشغل قلبك بكلماتهم وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً أي رقيبا من جهتنا تحفظ أعمالهم عليهم وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧) أي وما أنت يا أكرم الرسل حافظ عليهم من جهتهم فتدبر مصالحهم وتقوم بأمورهم وتكفل أرزاقهم.

وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ أي ولا تسبوا أيها المؤمنون من يعبدون الأصنام من حيث عبادتهم لآلهتهم كأن تقولوا: تبا لكم ولما تعبدون من الأصنام مثلا فيسبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تجاوزا عن الحق إلى الباطل بجهالة منهم بما يجب عليهم، فإن الصحابة متى شتموهم كانوا يشتمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فالله تعالى أجرى شتم الرسول مجرى الله تعالى، لأن الكفار كانوا مقربين بالله تعالى وكانوا يقولون: إنما حسنت عبادة الأصنام لتصير شفعاء لهم عند الله تعالى. أو المعنى ولا تسبوا الأصنام الذين كان المشركون يعبدونهم فيسبوا الله للظلم بغير علم لأنهم جهلة بالله تعالى لأن بعضهم كان قائلا بالدهر ونفي الصانع.

قال قتادة: كان المؤمنون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم فنهاهم الله عن ذلك لئلا يسبوا الله فإنهم قوم جهلة لا علم لهم بالله عز وجل اه. وإنما نهوا عن سب الأصنام، وإن كان مباحا لما ينشأ عن ذلك من المفاسد وهو سب الله وسب رسوله. فظاهر الآية كان نهيا عن سب الأصنام وحقيقتها النهي عن سب الله تعالى لأنه سبب لذلك وفي ذلك دلالة على أن الطاعة إذا أدّت إلى معصية راجحة وجب تركها فإن ما يؤدي إلى الشر شرّ كَذلِكَ أي مثل تزيين عبادة الأصنام للمشركين زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ أي لأمم

الكفرة عَمَلَهُمْ أي شرّهم وفسادهم بإحداث ما يحملهم عليه فإن المعاصي سموم قاتلة قد برزت في الدنيا بصورة تستحسنها نفوس العصاة، وكذا الطاعات فإنها مع كونها أحسن الأحاسن قد ظهرت عندهم بصورة مكروهة ولذلك

قال صلّى الله عليه وسلّم: «حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات»

«١» وفي هذه الآية دلالة على تكذيب القدرية


(١) رواه مسلم في كتاب الجنّة، باب: ١، وأبو داود في كتاب السنّة، باب: في خلق الجنّة

<<  <  ج: ص:  >  >>