الحكم لا يحكم إلا بالحق والحاكم قد يجوز، ولأن الحكم من تكرر منه الحكم والحاكم يصدق بمرة وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ أي التوراة والإنجيل والزبور يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أي القرآن مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ ملتبسا بِالْحَقِّ.
قرأ ابن عامر وحفص «منزل» بتشديد الزاي. والباقون بسكون النون فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) أي من الشاكين في أن علماء أهل الكتاب يلعمون أن هذا القرآن حق وأنه منزل من عند الله وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا أي كفى القرآن من جهة صدقه في أخباره ومن جهة عدله في أحكامه، وكفى في بيان ما يحتاج المكلفون إليه إلى قيام القيامة علما وعملا وفي كونها معجزة دالة على صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم.
قرأ عاصم وحمزة والكسائي «كلمت» على التوحيد دون ألف. والباقون بألف على الجمع و «ترسم» بالتاء المجرورة على كل من قراءة الجمع وقراءة الإفراد، وكذا كل موضع اختلف فيه القراء جمعا وإفرادا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أي لا أحد يبدل شيئا من القرآن بما هو أصدق وأعدل ولا بما هو مثله وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) بالمقال والأعمال وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أي وإن تطع يا أشرف الخلق كفار الناس فيما يعتقدونه من إحقاق الباطل وإبطال الحق يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي عن الطريق
الموصل إلى الله إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ أي ما يتبعون في إثبات مذهبهم إلا رجوعهم إلى تقليد أسلافهم وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق فهم على آثارهم مقتدون وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (١١٦) أي يكذبون فإن رؤساء أهل مكة- منهم أبو الأحوص مالك بن عوف الجشمي، وبديل بن ورقاء الخزاعي وجليس بن ورقاء الخزاعي- قالوا للمؤمنين: إن ما ذبح الله خير مما تذبحون أنتم بسكاكينكم.
وروي أن المشركين قالوا للنبيّ: أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ فقال:«الله قتلها»«١» . قالوا: أنت تزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتلها الكلب والصقر حلال وما قتله الله حرام
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧) أي فإن هؤلاء الكفار كاذبون في ادعاء اليقين والله عالم بكونهم متحيرين في سبيل الضلال تائهين في أودية الجهل، أي فإنك إذا عرفت ذلك ففوّض أمرهم إلى خالقهم لأنه عالم بالمهتدى والضلال فيجازي كل واحد بما يليق بعمله فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وهذا أمر متفرع من النهي عن اتباع المضلين، وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله فما قتله الله أحق أن تأكلوه مما قتلتموه أنتم. فقال الله للمسلمين: إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا مما
(١) رواه السيوطي في الدر المنثور (٣: ٤٢) ، والطبري في التفسير (٨: ١٣) .