بكمال حال الإنسان في علم التوحيد قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ أي برب موسى وهارون واختلف القراء في هذا الحرف هنا، وفي طه وفي الشعراء فإن القراء في ذلك على أربع مراتب.
الأولى: قراءة الأخوين وأبي بكر عن عاصم، وهي تحقيق الهمزتين في السور الثلاث من غير إدخال ألف بينهما، وهو استفهام إنكار، وأما الألف الثالثة فالكل يقرءونها كذلك وهي فاء الكلمة يجب قلبها ألفا لكونها بعد همزة مفتوحة، وأما الأولى فمحققة ليس إلا.
والثانية: قراءة حفص وهي «آمنتم» بهمزة واحدة بعدها ألف.
والثالثة: قراءة نافع وأبي عمرو وابن عامر والبزي عن ابن كثير، وهي تحقيق الأولى وتسهيل الثانية بين بين.
والرابعة: قراءة قنبل عن ابن كثير، فقرأ في هذه السورة حال الابتداء «أآمنتم» بهمزتين أولاهما محققة والثانية مسهلة بين بين وألف بعدها، كقراءة البزي وحال الوصل يقرأ «قال فرعون» و «آمنتم» بإبدال الأولى واوا وتسهيل الثانية بين بين وألف بعدها. وقرأ في سورة طه كقراءة حفص وفي سورة الشعراء كقراءة البزي قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ أي بغير أن آذن لكم إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها أي إن إيمان هؤلاء حيلة احتلتموها مع مواطأة موسى في مصر قبل أن تخرجوا إلى الميعاد، وأن غرضهم بذلك إخراج القوم من مصر وإبطال ملكهم، وهاتان شبهتان ألقاهما فرعون إلى أسماع عوام القبط ليمنعهم بها عن الإيمان بنبوة موسى عليه السلام فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) ما أفعل بكم لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ أي من كل شق طرفا ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أي أعلقكم ممدودة أيديكم لتصير على هيئة الصليب أو حتى يتقاطر صليبكم وهو الدهن الذي فيكم أَجْمَعِينَ (١٢٤) قالُوا أي السحرة: إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) أي راجعون بالموت بلا شك سواء كان بقتلك أو لا فيحكم بيننا وبينك وإنا إلى رحمة ربنا راغبون وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا أي ما تعب علينا إلا إيماننا آيات ربنا، أو ما لنا عندك ذنب تعذبنا عليه إلا لإيماننا بآيات ربنا حين جاءتنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أي صبّ علينا صبرا كاملا تاما عند القطع والصلب لكيلا نرجع كفارا وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦) أي مخلصين على دين موسى. قيل:
فعل فرعون ما توعدهم به، وقيل: لم يقع من فرعون ذلك بل استجاب الله تعالى الدعاء في قولهم وتوفنا مسلمين لأنهم سألوه تعالى أن يكون توفيهم من جهته تعالى لا بقتل فرعون وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ له لما خلى سبيل موسى أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ من بني إسرائيل لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ أي ليفسدوا على الناس في أرض مصر بتغيير دينهم. واعلم أن فرعون بعد وقوع هذه الواقعة كان كلما رأى موسى خافه أشد الخوف فلهذا السبب لم يتعرض له، إلا أن قومه لم يعرفوا ذلك فحملوه على أخذه وحبسه وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ أي معبوداتك بكسر اللام جمع إله.