للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باللسان فمحصل هذه الطريقة أنه لا إخراج ولا قول، ولا شهادة بالفعل وإنما هذا كله على سبيل المجاز التمثيلي فشبه حال النوع الإنساني بعد وجوده بالفعل بصفات التكليف من حيث نصب الأدلة على ربوبية الله المقتضية، لأن ينطق ويقر بمقتضاها بأخذ الميثاق عليه بالفعل بالإقرار بما ذكر وحينئذ فمعنى قوله تعالى: وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ أي ونصب الله لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم:

أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منه منزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل والله أعلم بحقيقة الحال أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ.

وقرأ أبو عمرو بالياء على الغيبة. والباقون بالتاء وفي قوله تعالى: شَهِدْنا قولان، فقيل: إنه من كلام الملائكة وذلك لأنهم لما قالوا: بلى قال الله تعالى للملائكة: اشهدوا، فقالوا: شهدنا عليهم لئلا يقولوا ما أقررنا، أو لئلا تقولوا أيها الكفرة، أو شهدنا عليهم كراهة أن يقولوا.

وقيل: إنه من بقية كلام الذرية أي وأشهدهم على أنفسهم بكذا وكذا لئلا يقولوا يوم القيامة عند ظهور الأمر إنا كنا عن وحدانية الربوبية لا نعرفه، أو كراهية أن يقولوا ذلك وعلى هذا التقدير فلا يجوز الوقف عند قوله: شَهِدْنا ولا يحسن على بلى. وقوله: أَوْ تَقُولُوا معطوف على أَنْ تَقُولُوا.

والمعنى أن المقصود من هذا الإشهاد لئلا يقول الكفار: إنما أشركنا لأن آباءنا أشركوا من قبل زماننا فقلدناهم في ذلك الشرك.

وقال الخلف: معنى هذه الآية أنا نصبنا هذه الدلائل وأظهرناها للعقول كراهة أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين فما نبهنا عليه منبه، أو كراهة أن يقولوا: إنما أشركنا على سبيل التقليد لأسلافنا، لأن نصب الأدلة على التوحيد قائم معهم فلا عذر لهم في الإعراض عنه والإقبال على الاقتداء بالآباء كما قالوا: وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ لا نقدر على الاستدلال بالدليل أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣) من آبائنا المضلين فالمؤاخذة إنما هي عليهم، والمعنى لا يمكنهم الاحتجاج بذلك، لأنه قامت الحجة عليهم يوم القيامة لإخبار الرسل إياهم بذلك الميثاق في الدنيا فمن أنكره كان معاندا ناقضا للعهد ولزمتهم الحجة ولا تسقط الحجة بنسيانهم بعد إخبار الرسل وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ

الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

(١٧٤) أي مثل ما بيّنا خبر الميثاق في هذه الآية نبين سائر الآيات ليتدبروها فيرجعوا إلى الحق ويعرضوا عن الباطل وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) أي واتل يا أكرم الخلق على اليهود خبر

<<  <  ج: ص:  >  >>