للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ أي اذكر ربك عارفا بمعاني الأذكار التي تقولها بلسانك مستحضرا لصفات الكمال والعز والعلو، والجلال والعظمة وذلك لأن الذكر باللسان إذا كان عاريا عن الذكر بالقلب كان عديم الفائدة تَضَرُّعاً وَخِيفَةً أي متضرعا وخائفا إما في تقصير الأعمال أو في الخاتمة، أو في أنه كيف يقابل نعمة الله التي لا حصر لها بالطاعة الناقصة والأذكار القاصرة وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ أي متوسطا بين الجهر والمخافتة بأن يذكر الشخص ربه على وجه يسمع نفسه بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) . والمعنى أن قوله تعالى: بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ دل على أنه يجب أن يكون الذكر حاصلا في كل الأوقات. وقوله تعالى: وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ يدل على أن الذكر القلبي يجب أن يكون دائما وأن لا يغفل الإنسان لحظة واحدة عن استحضار جلال الله بقدر الطاقة البشرية، وتحقيق القول أن بين الروح والبدن علاقة عجيبة، لأن كل أثر حصل في جوهر الروح نزل منه إلى البدن وكل حالة حصلت في البدن صعدت منه نتائج إلى الروح.

ألا ترى أن الإنسان إذا تخيّل الشيء الحامض ضرس سنة، وإذا تخيل حالة مكروهة وغضب سخن بدنه فهذه آثار تنزل من الروح إلى البدن.

واعلم أن قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ وإن كان ظاهره خطابا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا أنه عام في حق كل المكلفين ولكل أحد درجة مخصوصة بحسب استعداد جوهر نفسه الناطقة إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ أي إن الملائكة مع غاية طهارتهم وبراءتهم عن بواعث الشهوة والغضب وحوادث الحقد والحسد لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ بل يؤدونها حسب ما أمروا به وَيُسَبِّحُونَهُ أي ينزهونه تعالى عن كل سوء وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦) أي لا يسجدون لغير الله تعالى. فالتسبيح يرجع إلى المعارف والعلوم والسجود يرجع إلى أعمال الجوارح، وهذا الترتيب يدل على أن الأصل في العبودية أعمال القلوب ويتفرع عليها أعمال الجوارح والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>