بَعْدَ ما تَبَيَّنَ أي بعد إعلامك أنهم ينصرون أينما توجهوا وجدالهم هو قولهم ما كان خروجنا إلا للعير وهلا ذكرت لنا القتال لنتأهب له وكان ذلك لكراهتهم القتال كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) أي مشبهين بالذين يساقون بالعنف إلى القتل والحال أنهم ينظرون إلى أسباب الموت وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ أي واذكروا وقت أن يعدكم الله بأن إحدى الطائفتين العير أو العسكر مختصة بكم تسلطون عليها تسلط الملاك وتنصرفون فيهم كيف شئتم وَتَوَدُّونَ أي وتحبون أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ أي القوة تَكُونُ لَكُمْ وهو العير إذ لم يكن فيها إلا أربعون فارسا، ورئيسهم أبو سفيان وذات الشوكة: وهي العسكر وهم ألف مقاتل ورئيسهم أبو جهل وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ أي يثبت النصر على الأعداء بِكَلِماتِهِ أي بأسباب النصر من أوامره تعالى للملائكة بالإمداد وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) والمعنى أنتم تريدون سفساف الأمور وهو العير للفوز بالمال والله تعالى يريد معاليها بأن تتوجهوا إلى النفير لما فيه من إعلاء الدين الحق واستئصال الكافرين لِيُحِقَّ الْحَقَّ أي ليظهر الشريعة ويقوى الدين وَيُبْطِلَ الْباطِلَ أي وليظهر بطلان الباطل بتقوية رؤساء الحق وقهر رؤساء الباطل وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨) أي المشركون ذلك الإظهار إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ أي تطلبون منه الغوث كأن يقولوا: ربنا انصرنا على عدوك يا غياث المستغيثين أغثنا أي فرّج عنا.
قال ابن عباس: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر ونظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألف، وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف استقبل القبلة ومديده وهو يقول:«اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض»«١» ولم يزل كذلك حتى سقط رداؤه ورده أبو بكر، ثم التزمه ثم قال: كفاك يا نبي الله مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك، فنزلت هذه الآية
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ بدل من «إذ يعدكم» معمول لعامله، ويجوز أن يكون العامل في «إذ» هو قوله تعالى: «ويبطل الباطل» فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ أي معينكم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) .
وقرأ عيسى بن عمر، ويروى أيضا عن عمرو «إني» بكسر الهمزة على إضمار القول، أو على إجراء «استجاب» مجرى قال. والعامة على فتح الهمزة بتقدير حرف الجر. وقرأ نافع أبو بكر بن عاصم، ويروى عن قنبل أيضا «مردفين» بفتح الدال، أي إن الله أردف المسلمين بهم وأيدهم بهم بمعنى إن الملائكة كانوا مقدمة الجيش أو ساقتهم. والباقون بكسرها أي متتابعين يأتي بعضهم إثر بعض.