وهم قوم مالك بن عوف الدهماني، وقوم كنانة بن عبد ياليل الثقفي وَذلِكَ التعذيب جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) في الدنيا لكفرهم ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي ما جرى عليهم من الخذلان عَلى مَنْ يَشاءُ أن يتوب عليه منهم أي يوفقه للإسلام وَاللَّهُ غَفُورٌ لمن تاب رَحِيمٌ (٢٧) لمن آمن وعمل صالحا.
روي أن ناسا منهم جاءوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبايعوه على الإسلام وقالوا: يا رسول الله أنت خير الناس وأبر الناس، وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا. فقال صلّى الله عليه وسلّم:«إن عندي ما ترون إن خير القول أصدقه اختاروا إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم» . قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا، وهي مفاخر آبائه من الذراري والنساء. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:«إن هؤلاء جاءونا مسلمين وإنا خيّرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئا فمن كان بيده أسير وطابت نفسه أن يرده فشأنه- أي فيلزم شأنه- ومن لا، فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه» قالوا: قد رضينا وسلمنا. فقال صلّى الله عليه وسلّم:«إنا لا ندري لعل فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا»
«١» ، فرفعت إليه العرفاء أنهم قد رضوا ولم تقع غنيمة أعظم من غنيمتهم فقد كان فيها من الإبل اثنا عشر ألفا، ومن الغنم ما لا يحصى عددا، ومن الأسرى ستة آلاف من نسائهم وصبيانهم وكان فيها غير ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ أي ذوو نجس لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ أي جميع الحرم بَعْدَ عامِهِمْ هذا وهي السنة التي حصل فيها النداء بالبراءة من المشركين، وهي السنة التاسعة من الهجرة ولما امتنع المشركون من دخول الحرم وكانوا يتّجرون ويأتون مكة بالطعام، وكانت معايش أهل مكة من التجارات فخافوا الفقر وضيق العيش وذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنزل الله تعالى قوله: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً أي فقرا بسبب منع الكفار فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي عطائه من وجه آخر إِنْ شاءَ فأرسل الله تعالى السماء عليهم مدرارا أغزر بها خيرهم وأكثر ميرهم، وأسلم أهل جدة، وحنين، وصنعاء، وتبالة وجرش فحملوا الطعام إلى مكة وكفاهم الله الحاجة مما كانوا يخافون إلى مبايعة الكفار، فأغناهم بالفيء والجزية إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بأحوالكم وبمصالحكم حَكِيمٌ (٢٨) فلا يعطى ولا يمنع إلا عن حكمة وصواب لما فرغ من الكلام على مشركي العرب بقوله تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ [التوبة: ١] إلى هنا أخذ يتكلم على أهل الكتابين فقال: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ فاليهود يعتقدون التجسيم والتشبيه. والنصارى يعتقدون الحلول، وهم يعتقدون بعثة الأرواح دون الأجساد، ويعتقدون أن أهل الجنة لا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينكحون، وهم يكذبون أكثر الأنبياء
(١) رواه الطبري في التفسير (١٠: ٧٢) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (٢: ١١٢) .