للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي مخالفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث سار إلى تبوك للجهاد وأقاموا في المدينة وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فإن في المجاهدة إتلاف النفس والمال وَقالُوا لإخوانهم أو للمؤمنين تثبيطا لهم عن الجهاد، ونهيا عن المعروف لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ أي لا تخرجوا إلى الجهاد في الحر الشديد قُلْ تجهيلا لهم: نارُ جَهَنَّمَ التي ستدخلونها بما فعلتم أَشَدُّ حَرًّا مما تحذرون من الحر المعتاد وتحذرون الناس منه لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) أن بعد هذه الدار دارا أخرى، وأن بعد هذه الحياة الدنيا حياة أخرى فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً وهذا إخبار بأنه ستحصل لهم هذه الحالة ورد بصيغة الأمر أي إنهم وإن فرحوا وضحكوا طول أعمارهم في الدنيا فهو قليل بالنسبة إلى بكائهم وحزنهم في الآخرة، لأن الدنيا بأسرها قليلة وعقابهم في الآخرة دائم لا ينقطع جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) في الدنيا من النفاق فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ من غزوة تبوك إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ أي المنافقين في المدينة فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك إلى غزوة أخرى بعد غزوة تبوك فَقُلْ لهم يا أشرف الخلق: لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً في سفر من الأسفار وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا من الأعداء إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ عن الغزو أَوَّلَ مَرَّةٍ وهي غزوة تبوك فَاقْعُدُوا عن الجهاد مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) أي النساء والصبيان والرجال العاجزين وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ أي لا تقف عليه للدفن أو للدعاء فإنه صلّى الله عليه وسلّم كان إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أي لأنهم استمروا على الكفر بالله ورسوله في السر مدة حياتهم وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) أي متمردون في الكفر بالكذب والخداع والمكر.

عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه لما اشتكى عبد الله بن أبي سلول عاده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فطلب منه أن يصلي عليه إذا مات ويقوم على قبره، ثم إنه أرسل إلى الرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطلب منه قميصه ليكفن فيه فأرسل إليه القميص الفوقاني، فرده وطلب منه الذي يلي جلده ليكفن فيه فأرسله إليه، فقال عمر رضي الله عنه: لم تعطي قميصك للرجس النجس؟! فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن قميصي لا يغني عنه من الله شيئا فلعل الله أن يدخل به ألفا في الإسلام» . وكان المنافقون لا يفارقون عبد الله فإنه رأسهم فلما رأوه يطلب هذا القميص ويرجو أن ينفعه أسلم منهم يومئذ ألف، فلما مات عبد الله جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابنه- واسمه عبد الله- فإنه كان من فضلاء الصحابة وأصدقهم إسلاما، وأكثرهم عبادة، وأشرحهم صدرا، يعرفه صلّى الله عليه وسلّم لعبد الله: «صل عليه وادفنه» «١» . فقال: يا رسول الله إن لم تصل عليه لم يصل عليه مسلم، فقام صلّى الله عليه وسلّم، فقام عمر فحال بين رسول الله وبين القبلة لئلا يصلي عليه،


(١) رواه ابن كثير في التفسير (٨: ٢٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>