الهواء الحار اليابس عليهم، وبعدهم عن أهل العلم وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ أي أحق بأن لا يعلموا مقادير التكاليف والأحكام وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما في قلوب خلقه حَكِيمٌ (٩٧) فيما فرض من فرائضه وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً أي من الأعراب أسد وغطفان من يعتقد أن الذي ينفقه في سبيل الله خسران لأنه لا ينفق إلا رياء وخوفا من المسلمين لا لوجه الله وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ أي ينتظر أن تتقلب الأمور عليكم بموت الرسول، وأن يعلو عليكم المشركون فيتخلص مما ابتلى به من الإنفاق عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ أي عليهم يدور البلاء والحزن فلا يرون في محمّد صلّى الله عليه وسلّم ودينه إلا ما يحزنهم وَاللَّهُ سَمِيعٌ لقولهم عند الإنفاق من كلام لا خير فيه عَلِيمٌ (٩٨) بنياتهم الفاسدة وَمِنَ الْأَعْرابِ مزينة وجهينة وأسلم مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ في السر والعلانية وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أي ويأخذ لنفسه ما ينفقه في سبيل الله سببا لحصول القربات إلى الله في الدرجات وسببا لحصول دعوات الرسول، فإنه صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم أَلا أي تنبهوا إِنَّها أي إن نفقتهم قُرْبَةٌ لَهُمْ إلى الله في الدرجات سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ أي جنته، وهذا تفسير للقربة ووعد لهم بإحاطة رحمته الواسعة، كما أن قوله تعالى: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ تهديد للأولين عقب الدعاء عليهم، والسين للدلالة على تحقيق الوقوع إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لسيئاتهم رَحِيمٌ (٩٩) بهم حيث وفقهم لهذه الطاعات.
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«أسلم وغفار وشيء من جهينة ومزينة خير عند الله يوم القيامة من تميم وأسد بن خزيمة وهوازن وغطفان»
«١» . وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ أي في الهجرة والنصرة مِنَ الْمُهاجِرِينَ هم الذين صلوا إلى القبلتين وشهدوا بدرا كما قاله ابن عباس وَالْأَنْصارِ وهم الذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة الأولى: وكانوا سبعة نفر. والعقبة الثانية: وكانوا اثني عشر رجلا. والعقبة الثالثة: وكانوا سبعين رجلا والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ أي الفريقين بِإِحْسانٍ وهم الذين يذكرون المهاجرين والأنصار بالجنة والرحمة والدعاء لهم ويذكرون محاسنهم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لأعمالهم وكثرة طاعاتهم وَرَضُوا عَنْهُ لما أفاض عليهم من نعمه الجليلة في الدنيا والآخرة، والسابقون مبتدأ وخبره جملة رضي الله عنهم وَأَعَدَّ لَهُمْ في الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ.
وقرأ ابن كثير «من تحتها» بكلمة «من» كما في سائر المواضع وعلى هذا لزم صلة الميم في المواضع الثلاثة، والباقون بغير كلمة «من» وفتح التاء. خالِدِينَ فِيها أَبَداً أي من غير انتهاء