أعمالهم وهو الثواب، فالأحسن صفة عملهم على المعنى الأول وصفة الجزاء على الثاني وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً أي ما استقام لهم أن ينفروا جميعا لنحو غزو وطلب علم فإنه يخل بأمر المعاش هذه الآية إما كلام لا تعلق له بالجهاد، وإما من بقية أحكام الجهاد فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢) فعلى الأول يقال: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً إلى حضرة الرسول ليتفقهوا في الدين بل ذلك غير واجب وغير جائز، وليس حال النفقة كحال الجهاد معه صلّى الله عليه وسلّم الذي يجب أن يخرج فيه كل من لا عذر له فهلا نفر من كل فرقة من فرق الساكنين في البلاد طائفة إلى إلى حضرة الرسول ليتفقهوا في الدين ويعودوا إلى أوطانهم فينذروا قومهم لكي يحذروا عقاب الله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه، وعلى هذا التقدير فيكون المراد وجوب الخروج إلى حضرة الرسول للتعلم، لأنه يحدث كل وقت تكليف جديد أما في زماننا فقد صارت الشريعة مستقرة فإذا أمكنه تحصيل العلم في الوطن لم يكن السفر واجبا. وعلى الاحتمال الثاني يقال: إن النبي لما بالغ في الكشف عن عيون المنافقين في تخلفهم عن غزوة تبوك قال المسلمون: والله لا نتخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا عن سرية بعثها، فلما قدم الرسول المدينة من تبوك وأرسل السرايا إلى الكفار نفر المسلمون جميعا إلى الغزو وتركوا النبي وحده في المدينة فنزلت هذه الآية فالمعنى لا يجوز للمؤمنين أن ينفروا جميعا ويتركوا النبي بل يجب أن ينقسموا قسمين: طائفة تنفر إلى الجهاد وقهر الكفار، وطائفة تكون مع رسول الله لتعلم العلم والفقه في الدين لأن أحكام الشريعة كانت تتجدد شيئا بعد شيء، والماكثون يحفظون ما تجدد فإذا قدم الغزاة علموا ما تجدد في غيبتهم وبهذا الطريق يتم أمر الدين، والمعنى: فهلا نفر من كل فرقة من المقيمين مع رسول الله طائفة إلى جهاد العدو ليتفقه المقيمون في الدين بسبب ملازمتهم خدمة الرسول وليخبروا قومهم الخارجين إلى الجهاد إذا رجع الخارجون من جهادهم إليهم بما حصلوا في أيام غيبتهم من العلوم لكي يحذروا معاصي الله تعالى عند ذلك التعلم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ أي لما أمرهم الله بقتال المشركين كافة أرشدهم إلى الطريق الأصلح وهو أن يبدءوا بقتال الأقرب فالأقرب حتى يصلوا إلى الأبعد فالأبعد، وبهذا الطريق يحصل الغرض من قتال المشركين كافة فإن أمر الدعوة وقع على هذا الترتيب، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاتل أولا قومه، ثم انتقل منهم إلى قتال سائر العرب، ثم إلى قتال أهل الكتاب وهم قريظة والنضير وخيبر وفدك، ثم انتقل إلى غزو الروم والشام فكان فتحه في زمن الصحابة ثم إنهم انقلبوا إلى العراق وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً أي شدة عظيمة وشجاعة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) أي معينهم بالنصرة على أعدائهم. والمراد أن يكون الإقدام على الجهاد بسبب تقوى الله، لا بسبب طلب المال والجاه وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ من سور القرآن والحال أن المنافقين ليسوا حاضرين مجلس نزولها وليس في السورة فضيحة لهم