للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قلوبهم وَما يُعْلِنُونَ بأفواههم إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥) أي إنّه تعالى مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكنة في صدرهم فلا فائدة لهم في استخفائهم وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها أي غذاؤها اللائق بها.

روي أن موسى عليه السلام تعلق قلبه بأحوال أهله فأمره الله تعالى أن يضرب بعصاه على صخرة فانشقت وخرجت صخرة، ثم ضرب بعصاه فانشقت وخرجت صخرة ثانية، ثم ضرب بعصاه عليها فانشقت وخرجت صخرة ثالثة، ثم ضربها بعصاه فانشقت فخرجت منها دودة كالذرة، وفي فيها شيء يجري مجرى الغذاء لها ورفع الله الحجاب عن سمع موسى عليه السلام فسمع الدودة تقول سبحان من يراني وسمع كلامي ويعرف مكاني ويذكرني ولا ينساني وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها أي مكانها في الأرض قبل الموت وبعده وَمُسْتَوْدَعَها أي موضعها قبل الاستقرار من صلب أو رحم بيضة كُلٌّ من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها وأحوالها فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) أي ثابت في علم الله ومذكور في اللوح المحفوظ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أي خلق السموات في يومين، والأرض في يومين، وما عليها من أنواع الحيوانات والنبات وغير ذلك في يومين وَكانَ عَرْشُهُ قبل خلقهما عَلَى الْماءِ

قال صلّى الله عليه وسلّم: «كان الله وما كان معه شيء، ثم كان عرشه على الماء»

«١» أي والعرش الذي هو أعظم المخلوقات قد أمسكه الله تعالى فوق سبع سموات من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه وذلك يدل على كمال قدرته تعالى لِيَبْلُوَكُمْ أي خلق السموات والأرض وما فيهما ورتب فيها جميع ما تحتاجون إليه من مبادي وجودكم وأسباب معايشكم وأودع فيهما ما تستدلون به على مطالبكم الدينية ليعاملكم معاملة من يختبركم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله فإن لكل من القلب والقالب عملا مخصوصا به وَلَئِنْ قُلْتَ يا أشرف الخلق لأهل مكة إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ أي محيون مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا منهم إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أي ما هذا القول إلا خديعة منكم وضعتموها لمنع الناس عن لذات الدنيا وإحرازا لهم إلى الاعتقاد لكم والدخول تحت طاعتكم.

وقرأ حمزة والكسائي «إلا ساحر» أي كاذب وحينئذ فاسم الإشارة عائد على النبي أو القرآن وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ الذي هددهم الرسول الله صلّى الله عليه وسلّم به إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ أي إلى انقراض جماعة من الناس بعد هذا التهديد بالقول لَيَقُولُنَّ بطريق الاستعجال استهزاء ما يَحْبِسُهُ


(١) رواه الحاكم في المستدرك (٢: ٣٤١) ، والسيوطي في الدر المنثور (٣: ٣٢٢) ، والطبري في التفسير (١٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>